بعدم لحوق العصيان ، بل كان استقرار الاستحقاق في مستقبل الأيام ، هو المشروط بعدم لحوق المعصية ، فإذا فقد الشرط ، فقد استقرار الاستحقاق واستمراره.
يقول الشيخ الطوسي في تفسير قوله سبحانه : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ ، فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١) : «معناه أنّها صارت بمنزلة ما لم يكن ، لإيقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به ، وليس المراد أنّهم استحقوا عليها الثواب ثم انحبطت ، لأن الإحباط ـ عندنا ـ باطل على هذا الوجه» (٢).
ويقول الطّبرسي في تفسير قوله سبحانه : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣) : «وفي قوله : (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) ، هنا دلالة على أن حبوط الأعمال لا يترتب على ثبوت الثواب ، فإن الكافر لا يكون له عمل قد ثبت عليه ثواب ، وإنما يكون له عمل في الظاهر لو لا كفره لكان يستحق الثواب عليه ، فعبّر سبحانه عن هذا العمل بأنّه حبط ، فهو حقيقة معناه» (٤).
ويقول في تفسير قوله سبحانه : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ، حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) (٥).
«أي ضاعت أعمالهم التي عملوها لأنّهم أوقعوها على خلاف الوجه المأمور به ، وبطل ما أظهروه من الإيمان ، لأنّه لم يوافق باطنهم ظاهرهم ، فلم يستحقوا به الثواب» (٦).
وبما ذكره الطبرسي يظهر جواب سؤال آخر ، وهو أنه إذا كان الاستحقاق
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢١٧.
(٢) التبيان ، ج ٢ ، ص ٢٠٨ ، ولاحظ مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣١٣.
(٣) سورة المائدة : الآية ٥.
(٤) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ١٦٣.
(٥) سورة المائدة : الآية ٥٣.
(٦) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٢٠٧.