مشروطا بعدم صدور العصيان ، فإذا صدر يكشف عن عدم الاستحقاق أبدا ، فكيف يطلق عليه الإحباط ، وما الإحباط إلا الإبطال والإسقاط ، ولم يكن هناك شيء حتى يبطل أو يسقط؟
وذلك لأن نفس العمل في الظاهر سبب ومقتض ، فالإبطال والإسقاط كما يصدقان مع وجود العلة التامة ، فهكذا يصدقان مع وجود جزء العلة وسببها ومقتضيها ، وهذا كمن ملك أرضا صالحة للزراعة فأحدث فيها ما أفقدها هذه الصلاحية.
وبعبارة أخرى : إنّ الموت على الكفر ، وإن كان يبطل ثواب جميع الأعمال ، لكن ليس هذا بالإحباط ، بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق ، وفي الوعد بالثواب على القول بعدم الاستحقاق. وهكذا القول في المعاصي التي ورد أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط ، بل يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية.
نعم ، هذا التفسير إنما نحتاج إليه في جانب الإحباط ، وأما في جانب التكفير فلا حاجة إليه ، بل لنا أن نقول إنّ التوبة والأعمال المكفّرة يذهبان العقاب المكتوب على المعاصي من دون حاجة إلى القول بكون الاستحقاق مشروطا بالموافاة على الكفر ، لجواز تفضّله سبحانه بالعفو.
هذا ، ولا يصح القول بالإحباط والتكفير في كل المعاصي ، بل يجب علينا تتبّع النصوص ، فكلّ معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات أو بعضها ، نقول بالإحباط فيها على التفسير الذي ذكرناه. وهكذا في جانب التكفير فلا يمكن لنا أن نقول إنّ كل حسنة تذهب السيئة إلّا بالنص.
إلى هنا تم بيان دليل النافين للإحباط على الوجه اللائق بكلامهم ، والإجابة عليه.