تحليل لمسألة الإحباط
وهاهنا تحليل آخر للمسألة وهو أنّ في الثواب والعقاب أقوال :
١ ـ الثواب والعقاب في الآخرة من قبيل الأمور الوضعية الجعلية كجعل الأجرة للعامل ، والعقاب للمتخلّف في هذه النشأة.
٢ ـ الثواب والعقاب في الآخرة مخلوقان لنفس الإنسان حسب الملكات التي اكتسبها في هذه الدنيا ، بحيث لا يمكن لصاحب هذه الملكة ، السكون والهدوء إلا بفعل ما يناسبها.
٣ ـ الثواب والعقاب في الآخرة عبارة عن تمثّل العمل في الآخرة وتجلّيه فيها بوجوده الأخروي من دون أن يكون للنفس دور في تلك الحياة ، في تحلى هذه الأعمال بتلك الصور ، بل هي من ملازمات وجود الإنسان المحشور.
فلو قلنا بالوجه الأول ، كان لما نقلناه من نفاة الحبط (من أنّ الاستحقاق أو استمراره مشروط بعدم الإتيان بالمعصية) وجه حسن ، لأن الأمور الوضعية ، رفعها ووضعها ، وتبسيطها ، وتضييقها ، بيد المقنّن والمشرّع. وعندئذ يجمع بين حكم العقل ، بلزوم الوفاء بالوعد ، وما دلّ من الآيات على وجود الإحباط في موارد مختلفة ، كما سيوافيك.
وقد عرفت حاصل الجمع ، وهو أن إطلاق الإحباط ليس لإبطال استحقاق الإنسان الثواب ، بل لم يكن مستحقا من رأس ، لعدم تحقق شرط الثواب. وأما مصحح تسميته بالإحباط فقد عرفته أيضا ، وهو أن ظاهر العمل كان يحكي عن الثواب وكان جزء علة له.
ولو قلنا بالوجه الثاني ، وحاصله أن الملكات الحسنة والسيّئة التي تعدّ فعليات للنفس ، تحصل بسبب الحسنات والسيّئات التي كانت تصدر من النفس. فإذا قامت بفعل الحسنات ، تحصل فيها صورة معنوية ، مقتضية لخلق الثواب. كما أنّه إذا صدر منها سيئة ، تقوم بها صورة معنوية تصلح لأن تكون مبدأ لخلق العقاب. وبما أنّ الإنسان في معرض التحول والتغيير من حيث الملكات النفسانية ، حسب ما يفعل من الحسنات والسيئات ، فإنّ من الممكن بطلان