وهذا نظير تعذيب بعض المجرمين بإكسائهم ثوبا ليمسهم العذاب من طريقه ، فالمضروب ظاهرا هو اللباس ، ولكن المتألم هو الإنسان.
وبعبارة أخرى ، إن الروح هي الرابط الوثيق بين جميع الأبدان ، فهي تضفي عليها جميعها وصف الوحدة ، وتعرّفها جميعها بأنها فلان بن فلان ، من دون أن يضر اختلافها في الهيئة والشكل والحجم بوحدة الإنسان ، هذا.
وربما يتخيّل أنّ المعاد هو البدن الأخير ، الذي هو عصارة جميع الأبدان الماضية ، والجامع لعامة خصوصياتها.
ولكن ، غير خفيّ أنّ هذا الأصل المزعوم (وهو كون البدن الأخير ، عصارة الأبدان المتقدمة) ، مما لا أصل له ، لأنّ الأبدان في الفترات المتوسطة من العمر ، لها من القوة والنشاط ما تفقده الأبدان الواقعة في العقود الأخيرة من العمر.
أضف إلى ذلك أن الجواب مبني على إعطاء الأصالة للمادة ، وزعم أنّ الإنسان هو نفس الجلود واللحوم والعظام وأن البدن الأخير عصارة كلّ ما تقدّم.
نعم ، ربما يستظهر من قوله سبحانه : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (١) ، أنّ المعاد هو البدن الأخير ، ولكنّ الاستظهار في غير محله فإنّ الآية كناية عن خروج الناس من التراب للحساب والجزاء نظير قوله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٢). وأما كون الخارج هو البدن الأخير فليست الآية بصدد بيانه.
والشاهد على ذلك أنّ من الناس من يخطفه الطير ، أو تفترسه السباع ، أو يحيط به الموج فتأكله حيتان البحر ، أو تصيبه نار فتحرقه ، والآية تعم هذه الأصناف أيضا ، مع أنهم لم يقبروا في الأجداث.
* * *
__________________
(١) سورة يس : الآية ٥١.
(٢) سورة طه : الآية ٥٥.