فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).
والاستدلال بهذه الآية إنما يصح مع غضّ النظر عن سياقها ، وأما معه فإنها واردة في حق اليهود.
أضف إليه أنّ قوله سبحانه : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) ، لا يهدف إلا إلى الكافر ، فإنّ المسلم المؤمن مهما كان عاصيا لا تحيط به خطيئته ، فإنّ في قلبه نقاط بيضاء يشع عليها إيمانه واعتقاده بالله سبحانه وأنبيائه وكتبه. على أن دلالة الآية بالإطلاق ، فلو ثبت ما يقوله جمهرة المسلمين ، يخرج الفاسق من الآية بالدليل.
الآية الرابعة : قوله سبحانه : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ* لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ* وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) (٢)
إن دلالة الآية إطلاقية ، قابلة للتقييد ، أوّلا. وسياق الآية في حق الكفار ، بشهادة قوله سبحانه قبل هذه الآية : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ* ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (٣) ، ثم يقول : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ). ف (الْمُجْرِمِينَ) ، في مقابل (الَّذِينَ آمَنُوا) ، فلا يعم المسلم ، ثانيا.
هذه هي الآيات التي استدلت بها المعتزلة على تخليد الفاسق في النار ، وقد عرفت أن دلالتها بالإطلاق لا بالصراحة. وتقييد المطلق أمر سهل مثل تخصيص العام. مضافا إلى انصراف أكثرها أو جميعها إلى الكافر والمنافق.
وهناك آيات أظهر مما سبق (٤) تدل على شمول الرحمة الإلهية للفساق غير التائبين نكتفي باثنتين منها :
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٨١.
(٢) سورة الزخرف : الآيات ٧٤ ـ ٧٦.
(٣) سورة الزخرف : الآيتان ٦٩ و ٧٠.
(٤) كما تدل هذه الآيات على عدم الخلود في النار ، تدل على جواز العفو عن الفاسق من بدء الأمر ، وأنه يعفى عنه ولا يعذب من رأس ، فهذا الصنف من الآيات كما يحتج به في هذه مسألة ، يحتج به في المسألة السالفة أيضا فلاحظ.