الله عليه بالعفو ، بدليل آخر ، وأيضا فإنّ التائب لا بدّ من إخراجه من عموم الآية ، لقيام الدليل على وجوب قبول التوبة ، وكذلك يجب إخراج من يتفضّل الله بإسقاط عقابه ، منها ، لقيام الدلالة على جواز وقوع التفضّل بالعفو» (١).
الآية الثانية : قوله سبحانه : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَلَعَنَهُ ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٢).
قال القاضي : وجه الاستدلال هو أنه تعالى بيّن أنّ من قتل مؤمنا عمدا جازاه ، وعاقبه وغضب عليه ، ولعنه (وأخلده في جهنم) (٣).
يلاحظ عليه : أولا ـ إن دلالة الآية دلالة إطلاقية ، فكما خرج منها القاتل المشرك إذا أسلم ، والمسلم القاتل إذا تاب ، فليكن كذلك من مات بلا توبة ولكن اقتضت الحكمة الإلهية ، أن يتفضّل عليه بالعفو ، فليس التخصيص أمرا مشكلا.
وثانيا : إنّ من المحتمل أن يكون المراد القاتل المستحل لقتل المؤمن ، أو قتله لإيمانه ، وهذا غير بعيد لمن لاحظ سياق الآيات.
لاحظ قوله سبحانه : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ، كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) (٤).
ثم ذكر سبحانه بعد هذه الآية حكم قتل المؤمن خطأ وتعمدا. وفي ضوء هذا يمكن أن يستظهر أنّ الآية ناظرة إلى القتل العمدي ، الذي يقوم به القاتل لعداء ديني لا غير ، فيكون ناظرا إلى غير المسلم.
الآية الثالثة : قوله سبحانه : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٢٠ ، طبعة صيدا.
(٢) سورة النساء : الآية ٩٣.
(٣) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٥٩.
(٤) سورة النساء : الآية ٩١.