الفاسق التائب ، فلو دلّ دليل هنا على أنّ المسلم الفاسق ربما تشمله عناية الله ورحمته ، ويخرج عن العذاب ، لكان المطلق مقيدا بقيد آخر وراء التائب ، فيبقى تحت الآية المشرك والمنافق.
وثانيا : إن الموضوع في الآية ليس مطلق العصيان ، بل العصيان المنضم إليه تعدّي حدود الله ومن المحتمل جدا أن يكون المراد من التعدّي هو رفض أحكامه سبحانه ، وطردها ، وعدم قبولها. كيف ، وقد وردت الآية بعد بيان أحكام الفرائض.
يقول سبحانه : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...) (١).
ويقول سبحانه : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ..) (٢).
ثم يقول سبحانه : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ....) (٣).
ويقول : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ...) (٤).
وقوله : (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) ، وإن لم يكن ظاهرا في رفض التشريع ، لكنه يحتمله. بل ليس الحمل عليه بعيدا بشهادة الآيات الأخر الدالة على شمول غفرانه لكل ذنب دون الشرك ، أو شمول رحمته للناس على ظلمهم وغير ذلك من الآيات الواردة في حق الإنسان غير التائب كما سيوافيك.
يقول الطبرسي : «إنّ قوله : (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) ، ظاهر في تعدّي جميع حدود الله ، وهذه صفة الكفار ، ولأنّ صاحب الصغيرة بلا خلاف خارج عن عموم الآية وإن كان فاعلا للمعصية ، ومتعديا حدّا من حدود الله ، وإذا جاز إخراجه بدليل ، جاز لغيره أن يخرج من عمومها ، كمن يشفع له النبي أو يتفضّل
__________________
(١) سورة النساء : الآية ١١.
(٢) سورة النساء : الآية ١٢.
(٣) سورة النساء : الآية ١٣.
(٤) سورة النساء : الآية ١٤.