وقال العلامة الحلّي : «أجمع المسلمون كافة على أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع ، وأما أصحاب الكبائر من المسلمين ، فالوعيدية على أنه كذلك. وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه منقطع» (١).
واستدل القائلون بالانقطاع بآيات ، منها قوله سبحانه : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٢) ، والإيمان أعظم أفعال الخير. فإذا استحق العقاب بالمعصية ، فإما أن يقدّم الثواب على العقاب ، فهو باطل بالإجماع ، لأن الإثابة لا تكون إلا بدخول الجنة ، والداخل فيها مخلّد لا يخرج منها أبدا ، فلا يبقى مجال لعقوبته ، أو بالعكس وهو المراد.
أضف إلى ذلك أنّه يلزم أن يكون من عبد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ، ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة ، مع حفظ إيمانه ، مخلدا في النار ، ويكون نظير من أشرك بالله تعالى مدة عمره ، وهذا عند العقل قبيح ومحال (٣).
واستدلت المعتزلة على خلود الفاسق في النار ، بالسمع وهو عدة آيات ، استظهرت من إطلاقها أن الخلود يعم الكافر والمنافق والفاسق. وإليك هذه الآيات واحدة بعد الأخرى.
الآية الأولى ـ قوله سبحانه : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (٤). ولا شكّ أن الفاسق ممن عصى الله ورسوله بترك الفرائض وارتكاب المعاصي.
يلاحظ عليه : أولا ـ إن دلالة الآية على خلود الفاسق في النار لا يتجاوز حد الإطلاق ، والمطلق قابل للتقييد. وقد خرج عن هذه الآية باتفاق المسلمين
__________________
(١) كشف المراد ، ص ٢٦١ ، ط صيدا.
(٢) سورة الزلزلة : الآية ٧.
(٣) لاحظ كشف المراد ، ص ١٦١ ، ط صيدا.
(٤) سورة النساء : الآية ١٤. وأما قوله سبحانه : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (الجن : الآية ٢٣) فهو راجع إلى الكفار ، كما هو واضح لمن لاحظ آيات السورة.