يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (١).
وجه الاستدلال بهذه الآية على أن رحمته تشمل غير التائب من الذنوب ، أنه سبحانه نفى غفران الشرك دون غيره من الذنوب. وبما أن الشرك يغفر مع التوبة ، فتكون الجملتان ناظرتين إلى غير التائب. فمعنى قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، أنّه لا يغفر إذا مات من أشرك بلا توبة. كما أن معنى قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، أنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين ، ولو كانت سائر الذنوب ، مثل الشرك ، غير مغفورة إلا بالتوبة ، لما حسن التفصيل بينهما ، مع وضوح الآية في التفصيل (٢).
وقد أوضح القاضي دلالة الآية على ما يتبناه الجمهور بوجه رائع ، ولكنه ـ تأثرا بعقيدته الخاصة في الفاسق ـ قال : «إنّ الآية مجملة مفتقرة إلى البيان ، لأنّه قال : «ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» ، ولم يبين من الذي يغفر له. فاحتمل أن يكون المراد به أصحاب الصغائر ، واحتمل أن يكون المراد أصحاب الكبائر ، فسقط احتجاجهم بالآية»(٣).
أقول : عزب عن القاضي أن الآية مطلقة ، تعم كلا القسمين ، فأيّ إجمال في الآية حتى نتوقف. والعجب أنه يتمسك بإطلاق الطائفة الأولى من الآيات ، ولكنه يتوقف في إطلاق هذا الصنف.
نعم ، دفعا للإغراء ، وقطعا لعذر الجاهل ، قيّد سبحانه غفرانه بقوله : (لِمَنْ يَشاءُ) ، حتى يصد العبد عن الارتماء في أحضان المعصية بحجة أنه سبحانه وعده بالمغفرة.
ثم إنّ القاسم بن محمد بن علي الزيدي العلوي المعتزلي ، تبع القاضي في تحديد مداليل هذه الآيات وقال : «آيات الوعيد لا إجمال فيها ، وهذه الآيات ونحوها مجملة ، فيجب حملها على قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٤٨.
(٢) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٥٧ بتلخيص.
(٣) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٧٨.