نعم ، يستفاد من ظاهرها أنّها ليست في السماء التي يراد منها السيارات والكواكب والمجرّات الظاهرة. وممّا يؤيد ذلك أنّ النظام السمائي السائد على الكون المشاهد ، يتلاشى عند قيام القيامة لقوله سبحانه : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ، كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١) فلو كانت الجنة والنار فيها ، للزم تلاشيهما واندثارهما عند قيام القيامة.
ويمكن أن يقال إنّ الجنة والنار كسائر الموجودات الإمكانية ، تتكاملان وتتسعان ، ويؤيّده ما روي عن النبي أنّه قال : «ليلة أسري بي ، مرّ بي إبراهيم ، فقال : مر أمّتك أن يكثروا من غرس الجنة ، فإن أرضها واسعة وتربتها طيبة ، قلت : وما غرس الجنة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢).
هذا كله على القول بأنّ الجنة والنار حسب ظواهر الكتاب ، موجودتان في الخارج ، مع قطع النظر عن أعمال المكلف ، وأنّهما معدّتان للمطيع والعاصي ، وأما على القول بأنّه ليس لهما وراء عمل الإنسان حقيقة ، وأن الجنة والنار عبارة عن تجسم عمل الإنسان بصورة حسنة وبهيّة ، أو قبيحة ومرعبة ، فالجنة والنار موجودتان واقعا بوجودهما المناسب في الدار الآخرة ، وإن كان الإنسان ، لأجل كونه محاطا بهذه الظروف الدنيوية ، غير قادر على رؤيتهما ، وإلا فالعمل ، سواء كان صالحا أو طالحا ، قد تحقق وله وجودان وتمثّلان ، وكلّ موجود في ظرفه.
* * *
__________________
(١) سورة الأنبياء : الآية ١٠٤.
(٢) سفينة البحار ، مادة غرس ، ج ٢ ، ص ٣١٢.