تحليل الاستدلال بآيتين على عدالة الصحابة
وربما يستدل على عدالة الصحابة بآيتين :
الأولى : قوله سبحانه : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١) فإنّ ظاهره أنّه سبحانه رضى عنهم ، والرضا آية كونهم مطيعين غير خارجين عن الطاعة ، وليس للعدالة معنى إلا ذلك.
ويلاحظ عليه : أولا : إنّ الآية نزلت في حق من بايع النبي تحت الشجرة في غزوة الحديبية ، لا في حق جميع الصحابة ، وقد كانوا في ذاك اليوم ألفا وأربعمائة.
أخرج مسلم وابن جرير وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه ، قال : «كنّا يوم الحديبية ، ألفا وأربعمائة ، فبايعناه ، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة ، وهي سمرة ، وقال بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت» (٢). فاقصى ما يثبته الحديث هو رضاه سبحانه عن العدد المحدود. وأين هو من رضاه سبحانه عن الآلاف المؤلفة من الصحابة.
وثانيا : إنّ ظرف الرضا مذكور في الآية ، وهو وقت البيعة حيث يقول : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) ، ومن المعلوم أنّ الرضا في ظرف خاص لا يدل على الرضا بعده إلا إذا ثبت أنّهم بقوا على الحالات التي كانوا عليها ، وهو غير ثابت. وإثباته بالاستصحاب ، أوهن من بيت العنكبوت.
وليس هذا مختصا بهؤلاء ، فإن الإيمان والأعمال الصالحة ، إنما تفيد إذا لم يرتكب الإنسان ما يبطل أثرهما ، سواء أقلنا بالإحباط أو لا.
وثالثا : إنه سبحانه يقول في نفس السورة : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ، يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما
__________________
(١) سورة الفتح : الآية ١٨.
(٢) الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٧٤.