عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١).
وهذا يعرب عن أنّ بعض المبايعين كانوا على مظنة النكث بما عاهدوا وبايعوا عليه ، وأن البعض الآخر كانوا على مظنة الوفاء به وإلا فلو كان الوفاء معلوما منهم ، فما معنى هذا الترديد. وليست الآية خطابا قانونيا حتى يقال إنها من قبيل إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، بل قضية خارجية مختصة بأناس معينين.
ورابعا : إنّ السّنّة تدل على أنّ نزول السكينة كان مختصا بمن علم منه الوفاء ، وبالتالي يكون الرضا أيضا مخصوصا بهم.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) ، قال : إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء» (٢).
وخامسا : إنّ الرضا تعلق بالمؤمنين. ومن المعلوم أنّه بايع النبي في غزوة الحديبية جماعة من المنافقين أيضا ، بلا خلاف. وبما أنهم كانوا مختلطين غير متميزين فلا يحكم على كل واحد بالرضا والعدالة ، إلّا إذا ثبت أنه مؤمن غير منافق.
وكيف يمكن أن يكون للآية عموم أفرادي وأزماني يعمّ جميع المبايعين إلى آخر أعمالهم ، مع أنّ طلحة والزبير ممن بايعا بيعة الرضوان ، وقد وقع منهما من قتال عليّ ما خرجا به عن الإيمان وفسقا عند جمع من المسلمين ، كالمعتزلة ومن جرى مجراهم ، ولم يمنع وقوع الرضا في تلك الحال من وقوع المعصية فيما بعد ، فما ذا الذي يمنع من مثل ذلك في غيرهم (٣).
الآية الثانية : قوله سبحانه : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ، يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي
__________________
(١) سورة الفتح : الآية ١٠.
(٢) الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٧٣.
(٣) لاحظ التبيان ، ج ٩ ، ص ٣٢٩.