الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ، وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (١).
والاستدلال مركّز على قوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) ، وهم موصوفون بأوصاف سبعة : ١ ـ أشداء على الكفار ، ٢ ـ رحماء بينهم ، ٣ ـ تراهم ركعا ، ٤ ـ سجدا ، ٥ ـ يبتغون فضلا من الله ، ٦ ـ ورضوانا ، ٧ ـ سيماهم في وجوههم من أثر السجود.
وكأنّ المستدل يستظهر من الآية أنّها بصدد بيان أنّ كل من كان مع النبي كان على هذه الصفات السبع التي لا تنفك عن العدالة ، وأنّ مضمونها قضية خارجية راجعة إلى الجماعة التي كان الزمان والمكان يجمعانهم والنبي الأكرم.
يلاحظ عليه : أولا : إنّ الآية على خلاف المقصود أدلّ ، فإنها ، وإن كانت قضية خبرية بظاهرها ، ولكنها بمعنى الإنشاء ، فهي بصدد أمر من كان معه على أن يكونوا بهذه الصفات ، وهذا نحو قولك : «ولدي يصلي» ، فهو بمعنى : «صلّ يا ولد» فالآية تزيّف منطق من يدّعون أن الصحابة مصونون عن كل قبيح ، فهم لصحبتهم الرسول ، نبراس منير ، لأنّ الآية تحمل صورة رائعة عن سيرة الذين كانوا مع الرسول وأنّهم يجب أن يكونوا على هذه الصفات السبع ، فيكونون في سلبيّتهم (أشداء على الكفار) مثل سلبيّته ، وإيجابيتهم بينهم أنفسهم (رحماء بينهم) كإيجابيّته ، وهكذا سائر صفاتهم من الركوع والسجود وابتغاء الفضل والرضوان. والآية وإن كانت نازلة في حق جماعة خاصة كانوا مع الرسول ، ولكنها ليست قضية خبرية ، بل تحمل قضية إنشائية ، وطلبا وإيجابا منهم لأن يكونوا على هذه الصفات السبع.
ولأجل ذلك ترى أنّه سبحانه يخصص وعد المغفرة وإعطاء الأجر العظيم. بعدة منهم ، ويقول في آخر الآية : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً). وهذا التبعيض والتخصيص إيعاز إلى أنّ هذه
__________________
(١) سورة الفتح : الآية ٢٩.