وأوضح دليل على مشروعيته في صدر الإسلام ، نهى عمر عنها حيث قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالا ، وأنا أحرّمهما ، وأعاقب عليهما : إحداهما متعة النساء ... والأخرى متعة الحج (١). فإنّ النهي إمّا كان اجتهادا من عمر كما هو ظاهر كلامه ، أو كان مستندا إلى نصّ من رسول الله كما وجّه به كلامه. وعلى كلا التقديرين ، يدلّ على جوازه في فترة خاصة ، وهذا واضح لمن ألّم بفقه المذاهب الإسلامية.
والأصل في ذلك قوله سبحانه : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ، إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ) (٢) غَيْرَ مُسافِحِينَ ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣).
دلالة الآية على المتعة
وقد ذكرت أمّة كبيرة من أهل الحديث والتفسير نزول الآية في مورد المتعة ، أو جعلوا نزولها فيها أقوى الاحتمالين نشير إلى بعضهم :
١ ـ إمام الحنابلة أحمد بن حنبل (م ٢٤١) في مسنده (٤).
٢ ـ أبو جعفر الطبري (م ٣١٠) في تفسيره (٥).
٣ ـ أبو بكر الجصّاص الحنفي (م ٣٧٠) في أحكام القرآن (٦).
__________________
(١) سنن البيهقي ، ج ٧ ، ص ٢٠٦.
(٢) المراد من الإحصان هو إحصان التعفف لا إحصان التزوّج. أي متعففين لا متزوجين ومن فسّره بإحصان التزوّج فقد أخطأ. ويشهد لما ذكرنا من التفسير قوله : (غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي غير زانين.
(٣) سورة النساء : الآيتان ٢٣ و ٢٤.
(٤) مسند أحمد ، ج ٤ ، ص ٤٣٦.
(٥) تفسير الطبري ، ج ٥ ، ص ٩.
(٦) أحكام القرآن ، ج ٢ ، ص ١٧٨.