قالت عائشة : فصار الحيّان (الأوس والخزرج) حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول اللهصلىاللهعليهوآله ، قائم على المنبر ، ولم يزل رسول الله ، يخفضهم (أي يهدئهم) حتى سكتوا» (١).
ولا يقل شاهدا على وجود هذه الرواسب في نفوس الكثيرين منهم ، ما ظهر منهم في يوم السقيفة من روح القبلية ، ونزعة التعصّب ، وتبودل بينهم من الشتم والضرب ، وإليك نقل القصة عن لسان عمر ، قال : «فقال ممثل الأنصار (سعد بن عبادة) :
أما بعد فنحن أنصار الله ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين ، رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم (أي جاء جماعة ببطء) وإذا هم يريدون أن يختارونا (يدفعونا) من أصلنا ، ويغصبونا الأمر.
فقال أبو بكر (٢) : أمّا ما ذكرتم فيكم من خير ، فأنتم له أصل ولن تعرف العرب هذا الأمر ، إلّا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا.
ثم قال قائل من الأنصار : «أنا جذيلها المحكّك ، وعذيقها المرجّب ، منّا أمير ومنكم أمير ، يا معشر قريش». قال عمر : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات ، حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، قال : فقلت : قتل الله سعد بن عبادة» (٣).
ولم يقتصر إختلاف الأمّة على ما جرى في السقيفة ، بل جرت بين الأنصار والمهاجرين مشاجرات كلامية وشعرية وهجائية ، هاجم كلّ الفريق الآخر ، بأنواع الهجاء ، نقلها المؤرخون ولا يعجبني نقل كلمهم (٤).
__________________
(١) صحيح البخاري ، ج ٥ ، ص ١١٩ ، باب غزوة بني المصطلق.
(٢) لم يكن يوم السقيفة من المهاجرين إلّا خمسة أشخاص ، ولأجل ذلك لم نصف القائل بممثل المهاجرين.
(٣) السيرة النبوية ، ج ٢ ، ص ٦٥٩ ـ ٦٦٠. وإنّما بايعه الأوس من الأنصار ، وأما الخزرجيون ، فقد خرجوا غير مبايعين لأحد.
(٤) لاحظ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج ٦ ، ص ١٧ ـ ٣٨ ط مصر.