ذات يوم على نفر من أصحاب الرسول ، من الأوس والخزرج ، فرآهم يتحدثون ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم ، فأمر فتى شابا من اليهود ، كان معهم ، فقال له : اعمد إليهم ، فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار ، ففعل الشاب ذلك ، فأثّر كيد ذلك اليهودي الماكر في نفوس الأخوة من المسلمين ، فغضب الفريقان ، وانتضوا أسلحتهم للقتال ، فبلغ ذلك رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين ، وقال : «يا معشر المسلمين ، الله ، الله ، أبدعوى الجاهلية ، وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر»؟ (١).
ومن ذلك الذي يدلّ على تعمّق رواسب القبلية في النفوس ، ما ذكره الشيخ البخاري في صحيحه ، في قصة الإفك ، قال : «قال النبي وهو على المنبر : «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلّا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا ، وما يدخل على أهلي إلّا معي».
قالت عائشة : فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.
قالت عائشة : فقام رجل من الخزرج ، وهو سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ـ قالت عائشة ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية ـ فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر والله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.
فقال أسيد بن حضير ، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ ، لسعد بن عبادة : كذبت لعمر والله ، لتقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين.
__________________
(١) السيرة النبوية ، ج ١ ، ص ٥٥٥.