فلئن قلتم إن ذلك لا يقع معارضا للقرآن لركاكته بالنسبة إلى بلاغة القرآن ؛ فهى دعوى معارضة بنقيضها من الخصوم.
سلمنا أن المعارضة ما ظهرت ؛ ولكن لا نسلم أن كل ما كان من الأمور العظيمة لا بدّ وأن يشتهر ، ودليله سائر معجزات النّبي صلىاللهعليهوسلم وكذلك كون التسمية آية من القرآن فى أول كل سورة وكذلك التّثنية فى إقامة الصّلاة عندكم من الأمور العظيمة ، ولم تشتهر بحيث نقلت تواترا ؛ بل أبلغ من ذلك أمر النّبوّة. وكم من نبىّ لم يعرف ولم يشتهر (١).
سلمنا أن كل ما كان من الأمور العظيمة لا بد وأن يشتهر ؛ ولكن إذا وجد له مانع ، أو إذا لم يوجد.
الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم. وبيان احتمال وجود المانع : أنه من الجائز أن يكون المعارض قد أخفى ما عارض به : إما لمال ارتشى به لا يقدر على تحصيله بغير هذا الطريق. أو لخوفه من اتباع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه الذين اتبعوه ؛ لطلب الرئاسة ، والملك ، والأغراض الدنيوية ، أو أن أصحابه صلىاللهعليهوسلم ـ توافقوا على كتم المعارضة ، وسترها ، واعدامها لاستيلائهم على البلاد ، وعموم حكمهم على العباد بحيث استأصلوها. ولم يبق منها شيء ، ولا من ناقليها.
سلمنا أن المعارضة لم توجد. ولكن لا نسلم أن ذلك يدل على عجزهم عنها (٢).
قولكم : لو كانوا قادرين عليها لأتوا بها ؛ إذ هى أبلغ الطرق ، وأسهلها فى افحامه ، ودفع الضرر عنهم.
قلنا : ما المانع أن يكون القادر على المعارضة عدد يسير. وقد اتبعوه ، وأظهروا العجز عن المعارضة محافظة على ما كانوا يبتغونه فى معاضدته من الملك ، والاحتواء على أمور الدنيا.
وعلى هذا فلا ضرر عليهم فى الموافقة حتى يقال بدفعها بالمعارضة.
سلمنا عدم الموافقة له من الكل ؛ ولكن لا نسلم مع ذلك أنّ عدم المعارضة يدل على عجزهم عنها.
__________________
(١) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة بأن المعارضة لو وجدت لظهرت ... إلخ. (انظر ل ١٦٥ / ب).
(٢) وقد رد على هذه الشبهة بقوله : «لو لم يعجزوا ؛ لأتوا بالمعارضة ؛ لما سبق».