وبيانه من اثنى عشر وجها :
الأول : أنه من المحتمل أنهم تركوا معارضته ؛ لعدم / اكتراثهم به ، وظنهم أن ذلك أنجع الطرق فى اخماد ما أتى به ، وخمول دعوته.
الثانى : أنه من المحتمل أنهم ظنوا أن دفعه بالقتال ، والحرب أقضى إلى مقصودهم من المعارضة.
الثالث : أنه لا يخفى على ذى أدب ما القرآن عليه من البلاغة والفصاحة ، والنظم الغريب. وأن المقتدر على ذلك بتقدير فرضه ليس إلا الأقلون ، وعند ذلك فمن المحتمل أن تكون محاذرتهم للمعارضة خوفا من استرابة بعض الناس فى التفضيل ، واستقرار إعجاز القرآن فى نفوسهم.
الرابع : هو أن العرب كما أنهم دعوا إلى النظر فى آيات نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ـ فقد دعوا إلى النّظر فى آيات الوحدانية والمعاد وغير ذلك.
ومع ذلك فإنّهم لم ينظروا فيها مع قدرتهم عليها ، فعدم نظرهم فى معجزاته ؛ لا يدل على عجزهم عنها.
الخامس : هو أنّ القرآن مشتمل على النّظم الغريب ، والبلاغة والإخبار عن الغيب ، وغير ذلك من العجائب. ولعلهم لم يعلموا وجه التحدى هل هو بالنّظم ، أو البلاغة ، أو الإخبار بالغيب ، أو بالمجموع ، فلذلك عدلوا عن المعارضة إلى غيرها.
السادس : أنه من المحتمل أنّهم ظنوا لضعفه صلىاللهعليهوسلم ـ وخموله فى ابتداء أمره ، وقلّة المعين له. أنّ أمره لا ينتهى إلى ما انتهى إليه من الاستيلاء على البلاد ، وعموم حكمه ، وتكليفه للعباد. فلذلك لم يعارضوه ؛ لعدم اعتقادهم توجّه المحذور نحوهم. وبعد أن قويت شوكته وعلت كلمته ، امتنعوا من المعارضة خوفا كما جرت عادة الرّعايا مع الملوك.
السابع : أنه من المحتمل أنّهم كانوا يعتقدون أن ما كان لهم من النّظم ، والنّثر أفصح ، وأبلغ من القرآن. وأنّ ذلك مما لا يتشكّك فيه أحد من البلغاء ، فلذلك لم يتعرّضوا للمعارضة.