الثامن : أنّه من المحتمل أنّه وجد لهم مانع من تعاطى / / المعارضة إما من رشوة ، أو خوف فتنة ، وتوقى ما يفضى إلى فساد المعيشة من أهله ، وأصحابه. وانتشار القتال بسبب ذلك بين قبائل العرب كما هو المعتاد منهم. أو لاشتغالهم بمعايشهم ، وما هو أهمّ فى نظرهم من المعارضة.
التاسع : أنّه من الجائز أن يكون النّبي صلىاللهعليهوسلم قد يأتى له القرآن فى مدّة مديدة لا يتأتّى لأبلغ بليغ مثل القرآن فى دونها ، وحيث لم يأت بلغاء العرب بالمعارضة ، لم يكن ذلك لعجزهم عن الإتيان بمثله ؛ بل إنّما لعدم بلوغهم مثل تلك المدة أو لعدم اصطبارهم على مكابدة الإتيان بمثل القرآن فى تلك / المدة.
العاشر : هو أنّ القرآن مشتمل على تواريخ المتقدّمين ، وسير الأولين ، والعلم بالله ـ تعالى ، وصفاته ، والعلم بهذه الأمور غير معجوز عنه بالنّسبة إلى المتعاطى له.
ولا يخفى أنّ العرب لم يكونوا من أهل النظر ، وعلوم السير. والمعارضة إنّما تكون بأن يأتوا بكلام مشتمل على كل ما اشتمل عليه القرآن. ولم يكونوا عالمين بكل ما اشتمل عليه القرآن ، وإن كان ذلك مقدورا لهم بتقدير تعاطيه ، فلذلك تركوا المعارضة ؛ لما فيها من عسر الاشتغال بالعلوم النّظرية ، والعقلية. وترك ما هو المهم لهم من معيشتهم. أما أن يكون ذلك معجوزا عنه فلا.
الحادى عشر : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يطلب منهم أن يأتوا بمثل القرآن فقط وإلا لما عجزوا عنه ؛ بل إنما كان يطلب منهم أن يأتوا به من عند الله على ما قال ـ تعالى : ـ (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) (١).
ولا يخفى أن الإتيان بمثله من عند الله ـ تعالى ـ غير مقدور. ولا يلزم أن يكون نفس القرآن غير مقدور.
الثانى عشر : أنه يحتمل أنهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها غفلة ، وذهولا ـ لا لعلة ، ولا يمتنع مثل ذلك فى حق من هو أهل للمعارضة ، فإنهم لا يزيدون على اثنين ، أو ثلاثة. وتطرق ذلك إليهم غير مستبعد عادة.
__________________
/ / أول ل ٨٦ / أ. من النسخة ب.
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٤٩.