تعالى : ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (١) وقال فى وصف ما أنزل عليه (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) وقال (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (٢) وإنما يكون كذلك أن لو عم حكمه للجميع. وقد ورد عنه ـ عليهالسلام ـ أخبارا فى ذلك تنزل منزلة التواتر وإن كانت آحادها آحادا ، فمن ذلك قوله عليهالسلام «بعثت إلى الأحمر والأسود» (٣) وقوله «بعثت إلى الناس كافة» (٤) وقوله «لو كان اخى موسى حيا لما وسعه إلا اتباعى» (٥) إلى غير ذلك من الأخبار / الكثيرة. ويدل عليه ما اشتهر عنه وتواتر من دعائه طوائف الجبابرة ، وغيرهم من الأكاسرة ، وسعيه إلى أقاصي البلاد ، وملوك العباد إلى الدخول فى ملته ، وإجابة دعوته ، وقتال من جحد بنبوته من أهل الكتاب ، وغيرهم ممن هو خارج عن قبائل العرب (٦).
ثم كذلك على سنة الصدر الأول من المسلمين مع علمنا بأن ذلك الجمع الكثير ، والجم الغفير ممن لا يتصور على مثلهم التواطؤ على الباطل عادة ، ولا سيما مع ما كانوا عليه من شدة اليقين ، ومراعاة الدين ، فلو لم يعلموا منه ضرورة أنه مبعوث إلى الناس كافة ، والأمم عامة وإلا لما فعلوا ذلك رعاية للدين ، ثم إنه ترك للدين ، وكذلك أيضا من جاء من بعدهم على سنتهم ، وهلم جرا إلى زمننا هذا ، ولو لم يكن رسولا على العموم ؛ لزم أن يكون قد كذب فى دعواه ، وأبطل فيما أتاه ؛ وذلك محال فى حق من ثبتت عصمته عن الكذب فى الرسالة بالمعجزة القاطعة ، ولو جاز ذلك عليه مع ظهور المعجزة على يده ؛ لكان ذلك جائزا فى حق موسى عليهالسلام ؛ وهو محال. وإذا ثبت صدقه بالمعجزات والآيات الواضحات ، فقد قال ـ عليهالسلام «لا نبى بعدى» ونزل الكتاب العزيز مصدقا له فى ذلك بقوله ـ تعالى ـ (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٧) واشتهر ذلك فيما بين
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ٢٨.
(٢) سورة آل عمران ٣ / ١٣٨.
(٣) جزء من حديث شريف عن أبى موسى قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أعطيت خمسا : بعثت إلى الأحمر والأسود ... الخ (تهذيب الخصائص النبوية الكبرى رقم ٥٦٩ ص ٣٩٢).
(٤) رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما. البخارى ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧١ ومسلم حديث رقم (٥٢١).
(٥) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده ٣ / ٣٨٣ ، وأورده الألبانى فى إرواء الغليل ٦ / ٣٤ حديث رقم ١٥٨٩ وعزاه إلى أحمد وقال حديث حسن ط : المكتب الإسلامى.
(٦) فقد أرسل كتبه ورسله إلى كسرى وقيصر والمقوقس وغيرهم من ملوك الأطراف يدعوهم إلى الإسلام. عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشى وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى.
(تهذيب الخصائص النبوية الكبرى للسيوطى رقم ٢٤٨ ص ٢٢١).
(٧) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٠.