قولهم : إن حمل الأمر على الندب ، والنهى على الكراهة متيقن بخلاف الإيجاب ، والحظر ؛ ليس كذلك.
فإن الواجب والمندوب / / وإن اشتركا فى أصل الأمر ؛ فليس الواجب مندوبا وزيادة حتى يكون الحمل على الندب متيقنا ؛ بل كل واحد منهما مختص بخاصية لا تحقق لها فى الآخر ، والمتيقن إنما هو القدر المشترك وهو الأمر.
وعند ذلك : فليس القول بوقوع الشك فى خاصية الواجب ، أولى من وقوعه فى خاصية الندب. وعلى هذا يكون الكلام فى النهى المشترك بين التحريم ، والكراهية ويدل على ما ذكرناه أنه أكد المعصية بالغى بقوله ـ تعالى ـ (فَغَوى).
قولهم : الغوى هو الخيبة ليس كذلك ؛ بل هو الجهل على ما قاله صاحب المجمل ، وقد قال مقاتل : الغوى هو الضلال عن طاعة الله ـ تعالى ـ وكل ذلك من أسماء الذم ؛ ولا ذم على ما لا يكون إساءة.
وعلى هذا فقد خرج الجواب عما ذكروه على الوجه الثانى من مخالفة النهى ويدل على ما ذكرناه تسميته ظالما.
قولهم : المراد منه أنه حرم نفسه ما كان بصدد تحصيله من الثواب بتقدير الطاعة.
قلنا : فيلزم منه أن يكون جميع الأنبياء ظلمة ؛ لأنه ما من نبى إلا ويجوز عليه ترك بعض المندوبات ويكون بذلك قد حرم نفسه الثواب الحاصل من فعله ؛ ولا يخفى ما فيه من البعد.
وإن سلمنا صحة إطلاق الظلم بهذا المعنى غير أنه مجاز فيه ، وحقيقة فى المعصية وفعل المحرم.
ولهذا فإنه لا يتبادر إلى الأفهام من إطلاق لفظ الظلم غير الإساءة والمعصية.
فلئن قالوا : إطلاق اسم الظلم على فعل المحرم يبطل بمن فسق ، وارتكب فعلا محرما ؛ فإنه لا يسمى ظالما ؛ فقد سبق جوابه فى الفصل العشرين من خلق الأعمال (١).
__________________
/ / أول ل ٩٤ / ب.
(١) انظر ل ٢٥٤ / أوما بعدها الجزء الأول ل ٢٥٤ / أوما بعدها.