وأيضا قوله ـ عليهالسلام ـ : «لو لا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» (١) دل على أن السواك غير مأمور به. وإن كان مندوبا بالإجماع ، وكذلك النهى ، فإنه لا يكون عندنا لغير التحريم.
ولهذا فإن الأمة لم تزل فى كل عصر ترجع فى إيجاب العبادات ، وتحريم المحرمات إلى الأوامر ، والنواهى. ويقضون بالإيجاب ، والتحريم بالأمر ، والنهى ويحتجون على المخالفين بذلك لا بالقرائن ؛ فدل على أن الأمر والنهى ، لا يكون لغير الإيجاب والتحريم.
وعند ذلك فيلزم من كون آدم مخالفا للأمر أو النهى أن يكون مذنبا مستحقا للوم ، والعقاب.
وإن سلمنا انقسام الأمر ، أو النهى إلى ما ذكروه. غير أن إخراجه من الجنة ، وسلبه لباسه كان عقوبة له.
وإنما قلنا : إن ذلك عقوبة لأنه مضر به ، وكل إضرار فهو عقوبة عرفا.
وإنما قلنا : إنه مضر به لأن كل عاقل يتضرر بسلب ما كان فيه من النعم كما يتضرر بحلول الآلام ، والأوجاع به. وربما كان ذلك عند المترفهين ، وأرباب المروات أعظم من الإضرار بالآلام.
ولهذا فإن كثيرا من العقلاء قد يتمنى الهلاك / عند زوال نعمته.
وإذا كان ذلك عقوبة له دل على صدور الإساءة ، والذنب عنه نظرا إلى أن العقوبة إنما تحسن عرفا فى حق المذنب دون من ليس بمذنب. كيف وأن العقوبة من غير سابقة ذنب عند الخصوم ظلم ، وقد قال تعالى (لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (٢) ثم إن إطلاق لفظ المعصية عندهم على ما ليس بإساءة ولا ذنب من باب المجاز ، والحقيقة فى الإساءة ، ولا يخفى أن ترك الحقيقة ، والعدول إلى المجاز من غير دليل ممتنع.
__________________
(١) الحديث متفق على صحته أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما : أولا صحيح البخارى ٢ / ٤٣٥ ح رقم ٨٨٧.
(كتاب الجمعة ـ باب السواك يوم الجمعة). وأخرجه مسلم فى صحيحه كتاب الطهارة ـ باب السواك ١ / ٢٢٠ ح ٢٥٢.
(٢) سورة النساء ٤ / ٤٠.