ومنه يقول العرب اغفروا هذا الأمر : أى أصلحوه بما ينبغى أن يصلح ، وليس فى ذلك ما يدل على ارتكاب الجريمة.
وقوله ـ تعالى ـ (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١). قلنا : التوبة فى اللغة بمعنى الرجوع ومنه / يقال : تاب فلان إذا رجع ، فمعنى توبة آدم أنه رجع إلى الله ـ تعالى ـ وإلى الانقطاع إليه. ومعنى توبة الرب ـ تعالى ـ عليه ، والعود عليه بالتفضل ، والإنعام ، وليس فى ذلك ما يدل على ارتكاب الجريمة والذنب.
قلنا : أما قولهم : إن المعصية عبارة عن مخالفة الأمر أو النهى ، مسلم.
قولهم : إن الأمر منقسم : إلى أمر إيجاب ، وندب. والنهى ينقسم إلى : نهى تحريم ، وكراهة تنزيه.
قلنا : إذا سلمتم أنه يلزم من اطلاق اسم العصيان عليه مخالفة الأمر ، أو النهى ، فنحن وإن سلمنا انقسام صيغة افعل ، ولا تفعل إلى ما ذكروه من الأقسام ؛ فلا نسلّم انقسام الأمر إلى أمر إيجاب (٢) [وندب ؛ بل الأمر على الإطلاق لا يكون إلا للإيجاب] على ما ذهب إليه كثير من أصحابنا. وأن الندب غير مأمور به ، ودليله العرف ، والنص.
أما العرف : فهو أن السيد إذا أمر عبده بأمر فخالفه ؛ فإنه يحسن فى العرف لومه ، وعتابه. ويقضى كل عاقل عقل. العرف وأهله بذلك. وليس ذلك مبنيا على قرائن الأحوال ؛ فإنه قد يحكم بذلك من كان غائبا عن مجلس الأمر ، وإن لم يشاهد قرينته أصلا.
وأما النص : فقوله ـ تعالى ـ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣). حذر عن مخالفة أمره ، وذلك لا يكون فى الأمر إذا لم يكن للوجوب ، وقوله (عَنْ أَمْرِهِ) يعم كل أمر له. ولهذا فإنه لو قال السيد لعبده من خالف أمر ولدى فإنه معاقب ؛ فإنه يحسن أن يعاقب على مخالفة أى أمر كان له عرفا. وإذا كان أمر النبي محمولا على الإيجاب مطلقا ؛ فأمر الله ـ تعالى ـ أولى.
__________________
(١) سورة طه ٢٠ / ١٢٢.
(٢) ساقط من «أ».
(٣) سورة النور ٢٤ / ٦٣.