وإطلاق اسم العصيان صحيح بمخالفة كل واحد من الأمرين سواء كان المخالف مستحقا للّوم ، أو لم يكن.
ومنه يقال أمرت فلانا بكذا فعصانى. [وإن لم يكن ما أمره به واجبا ، ونهيته عن كذا فعصانى] (١). وإن لم يكن ما نهاه عنه محرما.
وعند ذلك فيحتمل أنه سماه عاصيا ؛ لأنه خالف أمر الندب ، أو نهى التنزيه ، ويجب حمله عليه ؛ إذ هو المتيقن وما زاد عليه من استحقاق العتاب ، واللوم بالمخالفة ؛ فأمر متردد فيه.
وقوله تعالى (فَغَوى) معناه خاب ولم يحصل على ما كان يستحقه من الثواب على موافقة الأمر ، أو النهى ومنه قول الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغى لائما (٢) |
أى يجب. وقيل : معنى غوى : لم يصب. وقيل معناه : فسد عليه عيشه.
ومنه يقال / / الغواء لسوء الرضاع (٣) والغذاء ، وعلى كل تقدير من هذه التقادير لا يقال إنه ارتكب ذنبا يستحق به عتابا ولا لوما. وعلى هذا فقد خرج الجواب عن مخالفة النهى أيضا.
وأما قولهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) (٤) معناه أنا بخسناها حقها ، وحرمناها ما كانت تحصل عليه من الثواب بموافقة الأمر أو النهى. ولهذا فإنه يصح أن يقال لمن فوّت على نفسه منافعها بترك تعاطى الأسباب الموجبة لها إذا كان متمكنا منها وإن لم تكن مستحقة له ، أنه ظالم لنفسه ، وهو المراد من قوله ـ تعالى ـ (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥) وقوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦) معناه : إن لم تصلحنا. فإن المغفرة قد تطلب بمعنى الاصلاح.
__________________
(١) ساقط من «أ».
(٢) القائل هو المرقش الأصغر. والبيت فى المفضليات ٢٤٧ فى المفضلية رقم ٥٦.
/ / أول ل ٩٤ / أ.
(٣) ورد فى المعجم الوسيط (باب الغين). (غوى الرضيع) أكثر من الرضاع حتى اتخم وفسد جوفه.
(٤) سورة الأعراف ٧ / ٢٣.
(٥) سورة الأعراف ٧ / ١٩.
(٦) سورة الأعراف ٧ / ٢٣.