فإن قيل : إن البارى ـ تعالى ـ لم يكذبه فى دعواه أنه من أهله ، ومن نسبه ، وإنما نفى أن يكون من أهله الذين وعده الله ـ تعالى ـ بنجاتهم [على ما قاله ابن عباس] (١) لأنه ـ تعالى كان قد وعد نوحا بنجاة أهله مستثنى منهم من أراد الله تعالى ـ هلاكه بالغرق فى قوله ـ تعالى ـ (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) (٢) ويحتمل أن يكون المراد به على ما قاله بعض أهل التفسير (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) بمعنى «إن كفره أخرجه عن أن يكون حكمه كأحكام أهلك» ولهذا قال ـ تعالى ـ على طريق التعليل (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ).
وإن سلمنا أنه لم يكن ابنه ولا من أهله على الحقيقة ؛ لكن قال بعض المفسرين أنه ولد على فراشه ، وقول نوح : (ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (٣) إنما كان بناء على الظاهر ، وما يقتضيه الحكم الشرعى. وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ليس تكذيبا له فيما أخبر عنه فى ظاهر الشرع ؛ بل إخبارا له بالغيب الّذي لا يعلمه من خيانة امرأته له.
والجواب :
قولهم : لم يكذبه فى إخباره أن ابنه من أهله ، وإنما أخبره أنه ليس من أهله الذين وعده الله ـ تعالى ـ بنجاتهم.
قلنا :
قوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) إما أن يكون المفهوم منه مقابلا ومناقضا ، لما أخبر به نوح ، أو لا يكون كذلك.
__________________
وهو أول رسل الله إلى أهل الأرض ، ومن أولى العزم من الرسل عليهمالسلام ، وهم خمسة (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام).
وقد عاش نوح عليهالسلام طويلا ، وعمر كثيرا ، وكان أطول الأنبياء عمرا ، وأكثرهم جهادا ؛ فدعا قومه ليلا ونهارا وسرا وجهارا مدة (٩٥٠ سنة) ألف سنة إلا خمسين عاما وهو الأب الثانى للبشرية بعد آدم عليهالسلام قال تعالى (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) سورة هود ١١ / ٤٨. فكل الخلائق ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة :
فسام هو أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم يؤيده ما رواه أحمد عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم».
أما بقية البشر ؛ فقد هلك الكافرون بالطوفان ، وأعقم الله من نجا فى السفينة مع نوح وقد توفى نوح عليهالسلام وعمره ١٣٥٠ سنة كما رواه بعض المؤرخين الذين تأثروا بما ورد فى التوراة. وهى أطول حياة عاشها إنسان وقد دفن بقرب المسجد الحرام بمكة على الراجح من الأقوال رحمهالله رحمة واسعة [قصص الأنبياء لابن كثير ص ٦٤ ـ ٩٧ والنبوة والأنبياء للصابونى ص ١٣٣ ـ ١٤٤].
(١) ساقط من «أ».
(٢) سورة هود ١١ / ٤٠.
(٣) سورة هود ١١ / ٤٥.