الثالث : أنه لما قال النمرود (١) بن كنعان لإبراهيم ـ عليهالسلام ـ أنت تزعم أن ربك يحيى الموتى ، وأنه قد أرسلك إلى تدعونى إلى عبادته ؛ فاسأله أن يحيى لنا ميتا إن كان قادرا على ذلك. وإن لم يفعل قتلتك.
فيحتمل أن يكون قد سأل الله إحياء الموتى ؛ ليطمئن قلبه ويأمن من القتل. لا ليطمئن قلبه بقدرة الله ـ تعالى ـ على إحياء الموتى ، ولا أنه كان شاكا فى ذلك.
الرابع : أنه يحتمل أن يكون قد سأل ذلك لأجل قومه ؛ لدفع الشك والشبه عنهم ، ويكون معنى قوله : «ليطمئن قلبى من جهة قومى».
والجواب :
قولهم : إنما سأل تكثير الدلائل ؛ لقصد دفع الشبه.
قلنا : إما أن يكون عالما متيقنا بقدرة الرب على إحياء الموتى ، أو لا يكون متيقنا لذلك.
فإن كان الأول : فعروض الشبه ، والتشكيكات ممتنع. وإن كان الثانى : فهو المطلوب.
وما ذكروه عن جعفر الصادق ؛ فلا نسلم صحة نقله.
وما ذكروه من التأويل الثالث : فهو بعيد ؛ لأنه لو كان المقصود ما ذكروه ، لقال إبراهيم كيف تحيى الموتى ، ولم يقل أرنى إذ لا يلزم من رؤيته لذلك رؤيتهم. ولا يكون محذور القتل عنه مندفعا.
وما ذكروه من التأويل الرابع : فبعيد أيضا ، وإلا لقال إبراهيم [أرهم] (٢) ولم يقل أرنى.
__________________
(١) النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح. وقد ذكر ابن كثير قصته مع سيدنا إبراهيم عليهالسلام. قال مجاهد وغيره : وكان أحد ملوك الدنيا. وبقى النمرود فى ملكه أربعمائة سنة. ومناظرته مع سيدنا إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ذكرت فى القرآن الكريم بالتفصيل. وقد ذكر السدى أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم وبين النمرود يوم خرج من النار ، ولم يكن اجتمع به يومئذ ؛ فكانت بينهما هذه المناظرة.
[قصص الأنبياء لابن كثير ص ١٤٤ ـ ١٤٧].
(٢) ساقط من «أ».