فالمعجز : عدم خلق القدرة ، والعدم ليس فعلا. ومن قال من أصحابنا إن العجز أمر وجودى : فالشرط عنده أن يكون العجز من فعل الله من غير حاجة إلى هذا التّقدير ؛ وذلك كخلق الأجسام ، والألوان وابراء الأكمه ، والأبرص ، وإحياء الموتى ، وهل يتصوّر أن تكون المعجزة مقدورة للرسول أم لا؟ وذلك كما لو كانت معجزته صعوده فى الهواء أو المشى على الماء ؛ فقد اختلفت الأئمة فى ذلك.
فذهب بعضهم : إلى أنّ نفس الحركة بالصّعود [والمشى] (١) ليست معجزة ؛ لكونها مقدورة له بخلق الله ـ تعالى ـ له القدرة عليها ، وإنما المعجزة هى نفس القدرة عليها ؛ فإن قدرته على ذلك غير مقدورة له.
ومنهم من قال : بأنّ هذه الحركات معجزة من جهة. كونها خارقة للعادة ، [ومخلوقة لله ـ تعالى ـ] (٢) وان كانت مقدورة للنّبي ؛ وهو الأصحّ.
فإن قيل : شرط المعجزة يجب أن يكون خاصا بالمعجزة غير عامّ لها ولغيرها ، فإذا كانت جميع الأفعال من فعل الله ـ تعالى ـ سواء كانت معجزة ، أو لم تكن ؛ فلا معنى لعد ذلك من شرائط المعجزة.
قلنا : عموم الوصف لا يخرجه عن أن يكون شرطا فى غيره إذا كان ذلك الغير متوقفا عليه ، وإنما يمتنع أخذ عموم الفعل شرطا فى المعجزة أن لو كان شرطا بمعنى كونه مميزا للمعجزة عن غيرها وحده وليس كذلك ؛ بل ذلك شرط بمعنى توقّف المعجزة عليه ، وتمييز / المعجزة عن غيرها بجملة ما ذكرناه من الشّروط.
وأما أن المعجز لا بد وأن يكون خارقا للعادة ؛ لأنّه منزّل من الله ـ تعالى ـ منزلة التصديق بالقول كما يأتى ، وما لا يكون خارقا للعادة بل هو معتاد الوقوع : كطلوع الشّمس كل يوم ، وكالقيام ، والقعود ؛ فلا يكون ذلك دالّا على الصدق ، كما لو قال : ودليلى فى نبوّتى أن الشّمس تطلع غدا ، أو أنّى أقعد ، أو أقوم ؛ لضرورة مساواة غيره له فيه ، حتى الكذاب مدعى النّبوة لا يشترط أن يكون ما يأتى به من الخارق معينا من جهة بالاتفاق.
__________________
(١) ساقط من (أ)
(٢) ساقط من (أ)