فإن كان صادقا : فالظلم ذنب ، ولهذا قال ـ تعالى ـ (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) (١). رتب العقاب على الظلم ؛ فدل على كونه معصية.
وإن كان كاذبا : فالكذب أيضا ذنب ، ومعصية بالإجماع ، وعلى كل تقدير ؛ فيكون مذنبا.
فإن قيل : لا يلزم من صدقه فى ذلك أن يكون مذنبا. وذلك لأنه يحتمل أنه أراد به إنى كنت من الجنس الّذي يقع منهم الظلم وهو جنس البشر. ويكون القصد من ذلك الخضوع لله ـ تعالى ـ ونفى ، التكبر والتجبر عنه باضافة نفسه إلى جنس يتصور منهم الظلم ؛ لكونه بين يدى الله ـ تعالى ـ فى مقام السؤال ، والطلب ، والانكسار كما هو الجارى من عادة السؤال بين أيدى الملوك ، وذلك لا يدل على صدور الذنب منه.
وبتقدير أن يكون قد أضاف الظلم إلى نفسه ؛ فلا يبعد تسميته ظالما لتركه بعض المندوبات ، وتفويت نفسه ثوابه كما سبق تحقيقه فى الحجة الأولى من قصة آدم عليهالسلام ، وترك المندوب ليس بمعصية كما سبق تحقيقه (٢).
/ والجواب :
أن ما ذكروه من الاحتمال الأول ، وإن كان محتملا ، إلا أنه على خلاف الظاهر ، وما يتبادر إلى الفهم من قول القائل لغيره «إنك من الظالمين» فإنه لا يفهم منه أنه من جنس يقع منهم الظلم ؛ بل الّذي يفهم منه «أنك متصف بصفات الظالمين». ونحن إنما نتمسك فى هذا الباب بالظاهر ؛ إذ المسألة غير قطعية على ما حققناه ، ولا يجوز ترك الظاهر من غير دليل. وما ذكروه من الاحتمال الثانى : فقد سبق جوابه فى الحجة الأولى (٣).
__________________
(١) سورة النحل ١٦ / ٦١.
(٢) انظر ما سبق ل ١٧١ / أوما بعدها.
(٣) انظر ما سبق ل ١٧١ / أوما بعدها.