والجواب : أن المراد بالتمنى هاهنا التلاوة لثلاثة أوجه :
الأول : ما وردت عليه الآية من السبب ، وهو ما سمع من قوله «تلك عند الله من الغرانيق العلى» وذلك إنما وقع فى التلاوة ، لا فى تمنى القلب.
الثانى : قوله ـ تعالى ـ : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) ولفظ النسخ فى الشرع معهود فى نسخ التلاوة ، أو حكمها دون ما عداهما ؛ فكان حمله عليه متعينا.
الثالث : قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) ، قال ابن عباس معناه بإخراج ما ليس منها. والمراد بالآيات : آيات القرآن وهى نفس التلاوة ، لا تمنى القلب.
قولهم : لا نسلم أن ذلك جرى على لسانه ـ صلىاللهعليهوسلم.
قلنا : هذا خلاف المنقول على لسان الرواة الثقات / ، ونزول جبريل معاتبا للنبى بقوله : «تلوت على الناس ما لم آتك به».
قولهم : إما أن يكون عمدا ، أو سهوا.
قلنا : ما المانع أن يكون سهوا ، وقوله ـ تعالى ـ : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (١). فهو مشروط بعدم المشيئة على ما قال ـ تعالى ـ : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (٢). فلم قلتم إنه لم يشأ ذلك.
قولهم : إن العادة تحيل النسيان فى مثل ذلك.
قلنا : إن أردتم بذلك أنه محال عادة : كاستحالة انقلاب الجبال ، ذهبا ، والبحار دما فى وقتنا هذا ؛ فغير مسلم.
وإن أردتم به أنه مما يندر السهو فى مثل ذلك ؛ فهو مسلم. ولا جرم قلما وقع ذلك أو يقع.
قولهم : يحتمل أن يكون ذلك من كلام من قرب من المشركين منه ، وقت قراءته.
قلنا : هذا مجرد احتمال ؛ فلا يقع فى مقابلة المنقول الظاهر بأى طريق كان.
__________________
(١) سورة الأعلى ٨٧ / ٦.
(٢) سورة الأعلى ٨٧ / ٧.