كما أنه يمتنع على أحد ممن ينشد قصيدة أن يجرى على لسانه فى أثنائها بيت مطابق لوزن القصيدة ، ولمعنى ما تقدم منها وهو ساه فيه.
وعند ذلك : فيحتمل أن يكون النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قد قرأ تلك السورة وإن كان فى الصلاة / والمشركون حوله من قريش فلما انتهى إلى قوله ـ تعالى ـ (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (١) وعلم من قرب منه منهم أنه سيورد بعد ذلك ما يسؤهم فى آلهتهم ، فقال كالمعارض له «فإنهن عند الله من الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى» وظن السامعون لذلك ، أنه جرى على لسان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته ـ عليه الصلاة والسلام ـ طلبا لتغليطه ، وهو المراد من قوله ـ تعالى ـ (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (٢) أى ألقى فى قلوب الناس التخويف لتلاوته ، وإضافة ما ليس منها إليها.
وإن سلمنا أن ذلك مما جرى على لسانه ، إلا أن المراد من قوله : «تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى : الملائكة. وقد كان ذلك قرآنا ، غير أنه لما توهم المشركون أن المراد به آلهتهم ؛ نسخت تلاوته.
وإن سلمنا أن المراد به اللات والعزى ، وأنه لم يكن قرآنا غير أنه قد قيل أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان إذا قرأ القرآن على قريش توقف فى فصول الآيات وآتى بكلام آخر على سبيل الاحتجاج عليهم ، فلما تلى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) قال عليه الصلاة والسلام ـ «تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى» مستفهما على سبيل الإنكار عليهم مع حذف الاستفهام ؛ فإنه جائز على ما سبق ، ولا يمتنع أن يكون ذلك فى الصلاة ؛ لأن الكلام ، فى الصلاة كان جائزا ، ونسخ بعد ذلك. هذا كله إن كان المراد من قوله تمنى التلاوة.
وإن كان المراد به الفكرة ، وتمنى القلب ، كان معنى قوله (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) : أنه يوسوس إليه عند تمنيه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ، وقوله ـ تعالى ـ (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أى أنه يبطل ذلك ، ويذهبه عن قلبه بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان ، وذلك لا يدل على تحقق المعصية من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم :
__________________
(١) سورة النجم ٥٣ / ٢٠.
(٢) سورة الحج ٢٢ / ٥٢.