وقالوا : إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير ، فنزل جبريل عليهالسلام معاتبا له وقال : «تلوت على الناس ما لم آتك به» فحزن لذلك حزنا شديدا فنزل قوله ـ تعالى ـ مسليا له بقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) (١).
ولا يخفى أن الإخبار عن اللات والعزى بأنهن من الغرانيق العلى أى الملائكة ، وأن شفاعتهن لترتجى كذب ، والكذب عند الخصوم غير جائز على الأنبياء عمدا ، وسهوا.
فإن قيل : التمنى قد يطلق ويراد به التلاوة قال الله ـ تعالى ـ : (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) (٢) : أى لا يعرفونه إلا تلاوة ، وقال حسان بن ثابت :
تمنّى كتاب الله أول ليلة |
|
وآخرها لاقى حمام المقادر (٣). |
«أراد تلى كتاب الله أول ليلة» ، وقد يطلق على التفكر بلغة قريش ، فإن كان المراد منه التلاوة ؛ فلا نسلم أن ذلك مما جرى على لسانه ؛ لأنه إما أن يكون عمدا ، أو سهوا.
لا جائز أن يكون عمدا : لأن الثناء على الأصنام ، والإخبار عنها بعلو الرتبة ، وعظم الشأن عند من يكون متألها لها مما يزيده / / بها إغراء ، واعتقادا ؛ وهو من الكبائر. والأنبياء منزهون عن الكبائر بالإجماع منا ومنكم ، وإن اختلفنا فى الصغائر ، ولا جائز أن يكون ساهيا : لقوله ـ تعالى ـ (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٤) ولأن العادة تحيل أن تقع من الساهى مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة ، وما تقدم من معناها.
__________________
(١) سورة الحج ٢٢ / ٥٢ ـ لمزيد من البحث والدراسة عن هذه الشبهة بالإضافة إلى ما ذكره الآمدي مفصلا موضحا انظر :
تفسير الكشاف للزمخشرى ٣ / ١٨ ، ١٩ ، وتفسير فخر الدين الرازى ٢٤ / ٤٩ ـ ٥٧.
وتفسير القرطبى ٧ / ٤٤٧١ ـ ٤٤٧٩ ، ومختصر تفسير بن كثير ٢ / ٥٥٠ ، ٥٥١.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٥٣ ، ١٥٤.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٦.
(٢) سورة البقرة ٢ / ٧٨.
(٣) قاله حسان بن ثابت رضي الله عنه ـ فى رثاء عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه. وهو حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجى الأنصارى ، أبو الوليد. الصحابى ، شاعر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام قال أبو عبيدة : فضل حسان الشعراء بثلاثة : كان شاعر الأنصار فى الجاهلية وشاعر النبي فى النبوة وشاعر اليمانيين فى الإسلام ، توفى سنة ٥٤ ه.
[تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلانى ٢ / ٢٤٧ وخزانة الأدب للبغدادى ١ / ١١١ الأعلام للزركلى ٢ / ١٧٦].
/ / أول ١٠١ / أ.
(٤) سورة الأعلى ٨٧ / ٦.