والثانى : فكما لو عنّ أمر عظيم وخطب جسيم يتعلق بتشويش دولة بعض العظماء ، من الملوك ، وأكابر الجبابرة. وإفساد ولايته ؛ فأمر بجمع النّاس الخاصة منهم ، والعامّة وجلس على سرير مملكته. والناس محتفون بخدمته ؛ لقصد بذل الجهد ، واستفراغ الوسع فى دفع ذلك الخطب الملم ، وتضافرت قرائن الجد ، وانتفاء الهزل ، فلو قام واحد من عرض الناس وقال أيها الناس : إنى رسول هذا الملك إليكم فى كذا وكذا ، وهو بمرأى منه ، وآيتى فى صدقى أنى إذا قلت له قم ثلاث مرات ، واقعد. وخالف ما هو المألوف من عادتك. فعل ذلك ، ولو أراد ذلك أحدكم ؛ لما وجد إليه سبيلا. فبتقدير وقوع ذلك من الملك عقيب قوله ذلك يتنزل منزلة قوله صدق ، ويضطر كل أحد من الحاضرين إلى العلم بذلك ، وإن لم يسبق من الملك مواضعه فى ذلك. ولا يخفى أن اظهار المعجزة على يد مدّعى الرّسالة نازلة منزلة القسم الثانى من المواضعة. دون الأول ؛ فكانت نازلة من الله ـ تعالى ـ منزلة قوله : صدق. وتمام هذه الطريقة بايراد ما يتجه عليها من الشّبه والانفصال عنها. كما يأتى فى الأصل الّذي بعده.