وبهذا يندفع ما ذكروه من الشبهة الثانية أيضا.
قولهم : إن ما مضى من الأبدان لا نهاية لأعدادها ، باطل ؛ بما سبق فى مسألة حدوث العالم (١). وما ذكروه فى الوجه الرابع ؛ فقد سبق جوابه أيضا.
قولهم : لو أعيدت الأجسام فإما أن تبقى ، أو لا تبقى.
قلنا : كل واحد من الأمرين ممكن ، والسمع قد دل على الدوام.
وما ذكروه فى امتناع دوامها ؛ فمبنى على القول بالمزاج ، وتأثير الطبيعة ، وقد أبطلناه فيما تقدم (٢) ؛ بل الكائنات كلها إنّما هى مستندة إلى فعل فاعل مختار تام القدرة ؛ فلا يكون الدوام ممتنعا.
قولهم : إن القول بإعادة الأبدان من غير توالد محال.
ليس كذلك ؛ إذ يلزم من القول بأنه لا إنسان إلا عن إنسان تسلسل الحوادث إلى غير النهاية ؛ وقد أبطلناه أيضا فيما تقدم.
قولهم : لو أعيدت الأجسام إما أن تغتذى ، أو لا تغتذى.
قلنا : كل واحد من الأمرين عندنا ممكن ؛ غير أن السمع قد دل على التغذية فى الدار الآخرة ، ولا يلزم عليه من الأعراض ما كانت لازمة له فى الدنيا ؛ إذ كل واحد من الأمرين مستند إلى فعل فاعل مختار ، لا إلى مقتضى الطبيعة كما سبق تقريره (٣).
والسمع قد ورد بامتناع تلك الأعراض فى الدار الآخرة ؛ فوجب اتباعه.
وما ذكروه من الشبهة الأخيرة ؛ فمبنى / على فاسد أصولهم من امتناع ملأ فوق السماوات ، وتحت الأرض ، وامتناع انخراق أجسام السماوات ؛ وهو غير مسلم (٤).
__________________
(١) انظر ما مر ل ٨٢ / ب : الأصل الرابع : فى حدوث العالم.
(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الفرع الثالث : فى الرد على الطبيعيين ل ٢٢٠ / ب.
(٣) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ـ الفرع الثالث : فى الرد على الطبيعيين ل ٢٢٠ / ب وما بعدها.
(٤) قارن بما ورد عند الإمام الغزالى فى تهافت الفلاسفة ص ٣٠٠ وما بعدها وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ١٩٢ وما بعدها ، وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٥٧.