وقال ديوناس : إنها الهواء المستنشق المتردد فى مخارق البدن ؛ ولذلك تزول الحياة بزواله.
وقال تاليس (١) : إنها الماء ؛ إذ هو سبب النشوء ، والنمو ، والنفس كذلك ؛ فكانت هى الماء.
وذهب الأطباء : إلى أن النفس هى الروح ، وهى جسم لطيف بخارى ، ناشئ من التجويف الأيسر من القلب ، مثبت فى جميع البدن ؛ هو منبع الحياة ، والنفس والنبض.
وقد أشار القاضى (٢) إلى ما هو قريب من هذا القول ، وهو أن قال : النفس عبارة عن أجسام لطيفة ، ومشتبكة بالأجسام الكثيفة أجرى الله العادة بالحياة مع بقائها.
ومنهم من قال : إنّ النفس عبارة عن الروح الكائنة فى الدماغ (٣) الحاملة للقوى الحساسة الباطنة ، وهى الحس المشترك ، والصورة ، والمخيلة ، والوهمية والحافظة.
ومن المتكلمين من قال : النفس هى الأجسام الأصلية فى كل بدن من الأبدان دون الأجزاء الفاضلة. كما حققنا فى الفصل الّذي قبله (٤).
وأما من قال : إنها جوهر بسيط فقد اختلفوا :
فمنهم من قال : إنها جوهر فرد متحيز ، وهذا هو مذهب طائفة من الشيعة ، ومعمر من المعتزلة (٥) ، والإمام الغزالى من أصحابنا (٦).
ومنهم من قال : إنها جوهر بسيط معقول غير متحيز مجرد عن المادة دون علائقها ، وهذا مذهب الفحول من الفلاسفة اليونانيين (٧) ومن تابعهم من فلاسفة الإسلاميين (٨) ، وأرباب التناسخ.
__________________
(١) تاليس : انظر ترجمته فيما مر فى هامش ل ٨٥ / أ.
(٢) هو القاضى أبو بكر الباقلانى ، راجع ترجمته فى هامش ل ٢ / ب من الجزء الأول.
(٣) كجالينوس الطبيب انظر الأربعين فى أصول الدين للإمام الرازى ٢٦٩.
(٤) راجع ما مر فى الفصل الثانى ل ١٩٨ / أوما بعدها.
(٥) راجع ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ١٨٢ / ب. وراجع مذهبه فيما سيأتى فى القاعدة السابعة ل ٢٤٥ / ب وما بعدها. وانظر المغنى ١١ / ٣١١ لتوضيح رأيه.
(٦) راجع ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ١٢٢ / أ. وراجع رأيه فى كتابه معارج القدس ص ٧١.
(٧) كأفلاطون وأرسطو. انظر النفس لأرسطو الكتاب الثانى ص ٣٤.
(٨) كابن مسكويه وابن سينا وابن رشد. انظر فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه ١ / ١٢٩.