وإن كان إدراكها لآلتها لا بآلة : فليكن مثله فى غيرها ؛ إذا القول بالفرق تحكم غير معقول.
الرابعة : أنها لو كانت مدركة بآلة جرمانيّة ؛ للزم كلالها عند المواظبة على الإدراك كالحواس ، فإن من واظب على إبصار شيء ، أو سماع صوت كلت آلته ، والتالى باطل فإن إدراك النفس يقوى بكثرة ما تدركه من المعقولات ، ويستمر عليه (١).
الخامسة : أنها لو كانت مدركة بآلة جرمانيّة : لما أدركت الأخفى بعد إدراك ، الأظهر ؛ أو لقلّ إدراكها له كما فى الحواس ، فإن من أدرك الأصوات الهائلة : كأصوات البوقات ، ونقر الطبول ؛ فإنه قد لا يدرك الهمس من الأصوات كإدراكه له قبل ذلك ، وكذلك من أدرك ضوء الشمس قد لا يدرك بعده الأشياء الصغيرة كالذرة ، ونحوها. وكمن أدرك الحرارة أو البرودة الشديدة فإنه لا يدرك ما هو أضعف منها بخلاف إدراك النفس.
السادسة : أنها لو كانت داركه بآلة جرمانيّة ؛ لوقفت ، وعجزت عند بلوغ الأربعين ؛ إذ هى كحال النشوء كسائر أجزاء البدن بالحواس الظاهرة ، وليس كذلك.
السابعة : أنها لو كانت داركة بآلة جرمانيّة ؛ لضعفت بضعف البدن واستضرت بضرر موضوعها بالآلام ، والأمراض ، وليس كذلك ، فإن النظر ، والفكر مؤلم للدماغ ، ومضر به ، ومكمل للنفس.
الثامنة : أنّها لو كانت دراكة بآلة جرمانيّة ؛ لأمكن أن يكون البعض من تلك الآلة مدركا للشيء ، والبعض غير مدرك له ؛ فيكون الشخص الواحد عالما بالشيء الواحد وجاهلا به فى حالة واحدة ؛ وأنه محال.
التاسعة : أنه لو كانت دراكة بآلة جرمانيّة ؛ لما كانت مدركة للمتضادات معا ؛ لتوقف إدراكها على انطباع صورة الشيء المدرك فى آلتها ، وانطباع صورتى المتضادين معا فى جزء واحد محال ، كما فى الحواس الظاهرة والباطنة ؛ ولهذا فإنا لا نجد فى حواسنا إمكان إدراك كون الشيء الواحد أسود ، أبيض ، حارا ، باردا معا ، ولا كذلك عند كونها مدركة للمتضادات بغير آلة جرمانيّة ؛ لأنّ إدراكها لا يكون على سبيل صورتى المتضادين
__________________
(١) قارن ما ورد هنا بما أورده الإمام الغزالى فى تهافت الفلاسفة الدليل السابع على تجرد النفس الناطقة ص ٢٢٦.