قولهم : إن الأجسام وقواها إنما تتخلص عما يؤذيها بالهرب عنه ، والحركة المكانية بخلاف القوى العاقلة (١) ؛ فهو باطل ؛ فإنه إن ادعى ذلك فى كل قوة جسمانية ؛ فهو عين المصادرة على المطلوب ، وإن ادعى ذلك فى بعض الأجسام وقواها ؛ فهو غير مفيد للمطلوب ، وبهذا يبطل ما ذكروه من الشبهة الثالثة عشرة (٢).
قولهم : إن كل واحد يعلم من نفسه علما ضروريا أنه الّذي كان من حين ولادته مع علمه بتبدل أجزائه الجسمية (٣).
قلنا : أما الأول : فمسلم.
وأما الثانى : فممنوع. وما المانع أن يقال بأن كل إنسان مشتمل على أجزاء أصلية لا يتصور عليها التبدل والتغير ، من أول الحياة إلى آخرها كما سبق (٤)؟
وتلك الأجزاء جسم لطيف مشابك للبدن كما ذكره الأطباء ، والقاضى أبو بكر (٥).
قولهم : القوى الجسمانية التى هى مصدر الأفعال المختلفة لا بد لها من جامع يجمعها ، ويتصرف / / فيها ، وذلك هو النفس. مسلم.
ولكن لا نسلم أن ذلك الجامع الحاكم لا يكون جسما ، وما المانع أن يكون جسما لطيفا فى داخل هذه الجثة ، وإن لم يكن شيئا من أجزاء الجثة؟. ولا دليل لهم على إبطال ذلك (٦).
وعلى هذا فلا سبيل إلى القطع (٧) فى شيء مما قيل من المذاهب فى حقيقة النفس الإنسانية المدركة العاقلة ، وإن كان الحق غير خارج عنها فعليك بالاجتهاد فى تعيينه ، وإظهاره.
هذا ما عندى فى ذلك. لعل عند غيرى غيره.
__________________
(١) راجع الحجة الثانية عشرة ل ٢٠٣ / ب [الرد على الشبهة الثانية عشر].
(٢) راجع ما مر ل ٢٠٣ / ب.
(٣) راجع الحجة الرابعة عشرة ل ٢٠٣ / ب [الرد على الشبهة الرابعة عشر].
(٤) راجع ما مر ل ٢٠٢ / أ.
(٥) راجع رأى الأطباء والقاضى أبى بكر ل ٢٠٢ / أ.
/ / أول ل ١١٨ / ب.
(٦) راجع ما مر ل ٢٠٣ / ب الحجة الخامسة عشرة للفلاسفة. [الرد على الشبهة الخامسة عشرة].
(٧) بعد هذه المناقشة العميقة للآراء المختلفة فى حقيقة النفس الإنسانية المدركة العاقلة. قرر الآمدي بأنه لا سبيل إلى القطع فى شيء منها. ثم قرر أن الحقّ غير خارج عنها ، وطلب من طلاب العلم الاجتهاد فى تعيينه واظهاره والاستدلال عليه بالحجج القاطعة. والبراهين الساطعة. ولأنه من طلاب الحق ؛ فلا يقلقه أن يظهر الحق على يد غيره فيقول «هذا ما عندى فى ذلك ، ولعل عند غيرى غيره» رحمهالله. آمين.