أما الحجة الأولى : فهى مبنية على أن كل بدن ، فإنه يستحق لذاته نفسا تدبره وهو غير مسلم ، وما المانع أن يكون وجود النفس للبدن بفعل فاعل مختار ، لا أنه يكون مستحقا لها لذاته ؛ لما بيناه من إبطال الاقتضاء الطبيعى ، ووجوب إسناد جميع الكائنات إلى الله (١) ـ تعالى ـ؟
وإن سلمنا جدلا أن كل / / بدن فانه يستحق لذاته نفسا تدبره ؛ ولكن ما المانع أن تكون هى ما انتقلت إليه من البدن الآخر؟
وعلى هذا : فلا يفضى إلى اجتماع نفسين فى بدن واحد كما ذكروه.
أما الحجة الثانية : فإنما يلزم أن لو لم يكن اتصالها بالبدن الأول شرطا فى تذكر تلك الأحوال الموجودة معه [وبا عانته] (٢) ولعله شرط وقد انتفى ، ويمتنع وجود المشروط مع انتفاء شرطه.
فإن قيل : فما ذكرتموه وإن دل على إبطال مآخذ الفريقين ؛ فما مذهبكم فى التناسخ؟
قلنا : إما أن تكون النفس فى نفس الأمر عرضا ، أو جوهرا.
فإن كانت عرضا فلا يمتنع إعادتها عقلا فى بدنها ، أو غيره.
وإن كانت جوهرا ، فلا يمتنع عقلا أن ينقله الله ـ تعالى إلى جسم آخر ، أو يعدمه ، ويعيده فى غير ذلك البدن الأول ؛ وقد ورد السمع بذلك حيث قال عليهالسلام «إن أرواح المؤمنين فى حواصل طيور خضر فى الجنة» (٣) وروى عنه أيضا أنه قال «أرواح المؤمنين فى قناديل معلقة تحت العرش» (٤).
غير أن الأمة من المسلمين متفقة على امتناع التناسخ ؛ فوجب اتباعه.
__________________
(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ـ فى أنه لا خالق إلا الله تعالى ـ ولا مؤثر فى حدوث الحوادث سواه. الفرع الثالث : فى الرد على الطبيعيين ل ٢٢٠ / ب.
/ / أول ل ١٢١ / أ.
(٢) ساقط من (أ).
(٣) رواه مسلم فى كتاب الإمارة : بلفظ : أرواح الشهداء ، ورواه أحمد : نسمة المؤمن فى طائر تعلق فى شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة. راجع التذكرة للقرطبى ١٧٥ ـ ١٨٥.
(٤) رواه أحمد عن ابن عباس رضى الله عنهما ـ وراجع معارج القدس للغزالى ص ٩٥.