وبتقدير معرفة أصل الوضع قطعا ، فيحتمل أن يكون اللفظ مشتركا ، وتعيين أحد محامله لا يكون مقطوعا به.
وبتقدير أن لا يكون مشتركا ؛ فيحتمل أن يكون مطلقا بإزاء معنيين ، هو فى أحدهما حقيقة وفى الآخر مجاز ، وحمله على جهة الحقيقة ، وإن كان هو الأصل ؛ لكنه ليس بقطعى ؛ بل ظنى ؛ لاحتمال إرادة جهة المجاز.
والحمل على جهة المجاز فغير قطعى ، وما يساعد عليه إما قرينة لفظية : والكلام فيها ، كالكلام فى الأولى ، وإما قرينة حالية ؛ وهى غير يقينية ؛ لاضطرابها وتعارض القرائن. وبتقدير أن لا يكون مجازا أصلا غير أن دلالة اللفظ على المعنى قد تختلف بالحذف ، والإضمار ، والتقديم ، والتأخير ، وكل ذلك فالطرق الموصلة إليه ظنية غير يقينية.
وبتقدير أن لا يتوقف على ذلك غير أنه متوقف على معرفة نقله من جهة الشارع وأكثر سنده الآحاد.
وبتقدير أن يكون منقولا عن الشارع تواترا ، إلا أنه يتوقف العمل به على نفى المعارض ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بغير البحث والسبر. مع عدم الاطلاع ؛ وهو غير يقينى كما سبق (١).
وبتقدير عدم المعارض فالعمل به يتوقف على عدم نسخ ما يدل عليه ؛ فطريقه أيضا ظنى.
والحق فى ذلك أن يقال : أما قول الحشوية (٢) : أنه لا طريق / إلى العلم واستدراك مطلوب من المطلوبات إلا بالكتاب والسنة. ففى غاية البطلان ؛ فإنا لو قدرنا عدم ورود السمع والأدلة السمعية ؛ لقد كنا نعلم وجود الرب ـ تعالى ـ وحدوث العالم وما يتعلق بأحكام الجواهر ، والأعراض ، وغير ذلك من المسائل العقلية ، وليس مدرك ذلك كله غير الأدلة العقلية.
__________________
(١) انظر ما سبق ل ٣٩ / ب وما بعدها الجزء الأول ـ القاعدة الثالثة ـ الباب الثانى : فى الدليل. الفصل السابع : فيما ظن أنه من الأدلة المفيدة لليقين وليس منها. الدليل الثالث : قياس التمثيل ـ السبر والتقسيم.
(٢) قارن بما أورده الآمدي فى الإحكام فى أصول الأحكام ٣ / ٦٣.