وإن سلمنا أنه حجة ؛ ولكن لا نسلم مخالفة المفهوم فيما نحن فيه. وبيانه من ثلاثة أوجه:
الأول : أنهم إنما ذكروا الحياة بعد الموت ، والحياة بعد الموت لا تزيد على اثنتين ولهذا قالوا (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ).
[الثانى : أنهم إنما ذكروا الإحياء الماضى بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) بصيغة الماضى ، والإحياء الماضى لا يزيد على اثنتين] (١).
[الثالث] (٢) : أنهم إنما ذكروا الإحياء الّذي عرفوا الله ـ تعالى ـ به ، وذلك لا يزيد أيضا على اثنتين ، وهو الإحياء للمسائلة ، والإحياء للحشر بخلاف الإحياء الأول ؛ فإنهم لم يعرفوا الله ـ تعالى ـ به.
وإن سلمنا مخالفة المفهوم : غير أن ما ذكروه يلزم منه مخالفة ما ذكرناه من الظواهر ؛ وهو ظاهر متفق على العمل به بخلاف المفهوم ؛ إذ هو مختلف فى صحته والعمل بالمتفق عليه أولى.
كيف وأن ما ذكرناه على وفق ما روى مسلم فى صحيحه عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه ترك قتلى بدر ثلاثا : ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال : يا أبا جهل بن هشام (٣) ، يا أمية بن خلف (٤) ، يا عتبة بن ربيعة (٥) : أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فإنى قد وجدت ما وعدنى ربى حقا؟ «فسمع عمر قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال عمر : يا رسول الله : كيف / /
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) فى (أ) الثانى. والصحيح الثالث كما ورد فى ب.
(٣) أبو جهل بن هشام : عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومى القرشى أشد الناس عداوة للنبى صلىاللهعليهوسلم ـ فى صدر الإسلام قال صاحب عيون الأخبار : سوّدت قريش أبا جهل ولم يطر شاربه فأدخلته دار الندوة مع الكهول. كان يقال له (أبو الحكم) ؛ فدعاه المسلمون أبا جهل كان فرعون هذه الأمة. يؤذى المسلمين ويكيد لهم حتى هلك فى غزوة بدر الكبرى ، وأراح الله المسلمين من شره.
[عيون الأخبار ١ / ٢٣٠ والأعلام للزركلى ٥ / ٨٧].
(٤) أمية بن خلف بن وهب ، من بنى لؤى : أحد جبابرة قريش فى الجاهلية ، أدرك الإسلام ولم يسلم ، وهو الّذي عذب بلالا رضي الله عنه فى بداية الإسلام. أسره عبد الرحمن بن عوف يوم بدر ؛ فرآه بلال ؛ فصاح بالناس يحرضهم عليه ؛ فقتلوه. [الكامل لابن الأثير ٢ / ٤٨ والأعلام للزركلى ٢ / ٢٢].
(٥) عتبة بن ربيعة بن عبد شمس : أبو الوليد. كبير قريش وأحد ساداتها فى الجاهلية. أدرك الإسلام ، وطغى وشهد بدرا مع المشركين ، وخرج للمبارزة ؛ فقتل : قتله حمزة رضي الله عنه وقصة ابنته هند بنت عتبة فى انتقامها من سيد الشهداء بعد استشهاده مشهورة. [نسب قريش ١٥٢ ، ١٥٣ والأعلام للزركلى ٤ / ٢٠٠].
/ / أول ل ١٢٤ / أ.