وأما الإجماع : فهو أنّ الأمة من السلف قبل ظهور المخالفين على إثبات الصراط بهذا المعنى ؛ فكان حجة على المخالف.
فإن قيل : خلق الصراط على ما وصفتموه من كونه أدق من الشعرة وأحد من غرار السيف مما يستحيل العبور عليه عقلا ، وقد قلتم بأن عليه عبور الخلائق كلهم ، فيمتنع ، وبتقدير إمكان العبور عليه غير أنه يلزم من ذلك. إتعاب المؤمنين ، ولا تعب عليهم يوم القيامة ولا نصب ؛ إذ هو نوع من العذاب ، والمؤمن غير معذب.
وعند ذلك : فنقول : لفظ الصراط وإن كان قد يرد بمعنى الإسلام ، وبمعنى كتاب الله ، وبمعنى طريق الجنة (١) ، وبمعنى الدين القويم إلا أنه قد يطلق ويراد به / الطريق إلى الشيء ، وعند ذلك : فيجب حمل قوله تعالى (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) على الطريق إليها ؛ لتعذر حمله على ما سواه من الاعتبارات الأخرى.
وعلى ذلك يجب تأويل الأخبار من السنة أيضا :
والجواب :
قولهم : بأن ذلك مما يستحيل العبور عليه ، ليس كذلك ؛ فإنه غير بعيد أن يقدر الله ـ تعالى بعض عباده على ذلك كما أقدر بعض مخلوقاته على الطيران فى الهواء ، وبعضهم على السباحة فى الماء. وغايته : أن ذلك من خوارق العادات ، وغير مستبعد أن يخصص الله ـ تعالى ـ به بعض عباده ، كما حققناه فى المعجزات (٢).
قولهم : فيه إتعاب المؤمنين ـ ممنوع. وما المانع من إقدار الله ـ تعالى ـ لهم على ذلك من غير تعب ، ولا نصب؟
وبتقدير إتعابهم فهو غير ممتنع على أصول أهل الحق ، فإن ذلك مما لا يزيد فى الحرج والمشقة على ما ينال الأنبياء ، والأولياء من زفرة جهنم على ما روى فى صحيح الحديث «إن جهنم تزفر زفرة لا يبقى عندها ملك مقرب ، ولا نبى مرسل إلا جثا على ركبتيه (٣) ، وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى ـ : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) (٤) ولا على ما ينالهم
__________________
(١) من أول هنا نهاية ل ٢٢٢ / أ ـ ل ٢٢٤ / أمن النسخة (أ) محذوف من النسخة ب. [وبمعنى طريق الجنة / / بمقتضى العقل] هكذا فى نسخة ب منتصف ل ١٢٥ / ب.
(٢) راجع ما مر ل ١٣٠ / أوما بعدها من القاعدة الخامسة.
(٣) أورده القرطى فى التذكرة ص ٤٤١ : باب ما جاء أن النار لما خلقت فزعت الملائكة حتى طارت أفئدتها. عن ميمون بن مهران قال : لما خلق الله جهنم أمرها فزفرت زفرة ، فلم يبق فى السموات السبع ملك إلا خرّ على وجهه. التذكرة ص ٤٤١.
(٤) سورة الجاثية ٢٥ / ٢٨.