فإن قيل : حمل لفظ الميزان ، والموازين / / على ما يوزن به أعمال / العباد ، ممتنع ؛ إذ الأعمال أعراض ، والأعراض مما لا بقاء لها كما تقدم ، ولا هى مما يمكن إعادتها على ما سلف (١) وبتقدير بقائها ، أو إمكان إعادتها ؛ فهى أعراض ، والأعراض ممتنع وزنها ؛ فإنها لا توصف بثقل ، ولا خفة ؛ بل إنّما ذلك من صفات الجواهر.
وبتقدير إمكان وزنها : فلا فائدة فى الوزن ؛ إذ المقصود إنما هو العلم بتفاوت الأعمال ، والله ـ تعالى ـ عالم بذلك ، فلا فائدة فى نصب الميزان ، وما لا فائدة فيه ففعله يكون قبيحا ، والرب ـ تعالى ـ منزه عن فعل القبيح.
وعند هذا : فيجب حمل لفظ الميزان على العدل ، والإنصاف ، وبتقدير الحمل على ما يوزن به ، فالنص قد دلّ على موازين وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) (٢) وقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٣) وأنتم لا تقولون إلا بميزان واحد.
والجواب : أما ما ذكروه فى بيان تعذر وزن الأعمال ، فمندفع ، بقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما سئل عن وزن الأعمال «إنما توزن الصحف»
قولهم : لا فائدة فى وزن الأعمال ؛ فهو مبنى على أصولهم فى وجوب رعاية الحكمة وقد أبطلناه (٤) وبتقدير تسليم ذلك لهم فلا مانع أن يكون له فى ذلك حكمة قد استأثر بعلمها وحده.
وعلى هذا : فيتعذر حمل الميزان على العدل ، والإنصاف ، [لما فيه من مخالفة الظاهر من غير دليل. كيف : وأنه يمتنع حمل الميزان على العدل ، والإنصاف] (٥) إذ الموازين موصوفة بالخفة ، والثقل في قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) والعدل ، والإنصاف لا يوصف بثقل ، ولا خفة.
__________________
/ / أول ل ١٢٧ / أمن النسخة ب.
(١) راجع ما مر فى الجزء الثانى ـ الفرع الرابع ، فى تجدد الأعراض ، واستحالة بقائها ل ٤٤ / ب.
(٢) سورة الأنبياء ٢١ / ٤٧.
(٣) سورة المؤمنون ٢٣ / ١٠٢.
(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ١٨٦ / أوما بعدها.
(٥) ساقط من (أ).