والثناء والمدح ، وكذلك اللّوم والتّوبيخ غير مقيّدين بزمان دون زمان ، بمقتضى العقل ؛ بل هو دائم ؛ فكذلك الموجب الآخر ، وهو الثواب والعقاب (١).
وأما الحجج الخاصة بخلود الثواب : فثلاث.
الأولى : هو أن الثّواب نفع محض لا يشوبه ضرر. وبيانه من وجهين :
الأول : هو أنّ التفضّل بمنافع خالية عن الضّرر حسن فى العقل ، وجائز ، فلو لم يكن الثواب مجردا عن الضرر ؛ لكان الفضل أحسن منه ؛ وذلك مما يبطل حسن التكليف.
الثانى : هو أنّ الله ـ تعالى ـ قد رغّب المكلّفين بتكليفهم ترك المنافع المشوبة بالاضرار إلى الثّواب ، فلو كان الثّواب نفعا مشوبا بالأضرار ؛ لما حسن التكليف ، والتّرغيب بترك نفع إلى مثله ؛ وإذا ثبت أن الثواب نفع محض لا يشوبه ضرر ، فلو علم المكلفون فى دار الثّواب ، تصرّم نعيمهم ، وأنّ ما هم عليه من النّعيم سينقطع ؛ لتنغّصت عليهم لذاتهم ، وخرج الثواب عن تمحّض النفع ؛ وذلك ممتنع.
الحجة الثانية : أنّه لو كان الثواب منقطعا ؛ لكان التّفضّل أحسن منه ؛ لجواز دوامه ، ويلزم من ذلك أن لا يكون التكليف حسنا ؛ وهو محال.
الحجة الثالثة : أنّه لو كان الثواب غير دائم لم يخل : إمّا أن يعتبر فيه التقدير بالأوقات ، أو لا يعتبر ذلك.
فإن كان الأول : فليس ثبوت الاستحقاق فى بعض الأوقات أولى من البعض ؛ ضرورة تشابه الأوقات.
وإن كان الثانى : أمكن حصوله فى حالة واحدة ؛ ضرورة عدم اعتبار الأوقات ثم يقطع عن المثاب ، وذلك مما لا يحسن الترغيب فيه بالتزام المشاق الدائمة ، وترك المنافع الدائمة بدوام أوقات الحياة فى الدنيا ، وذلك يمنع من حسن التكليف. وإذا بطل كل واحد من اللازمين ؛ لزم بطلان الملزوم.
وبمثل هذه الحجة يستدل على خلود العقاب أيضا.
__________________
(١) لتوضيح رأى المعتزلة بالإضافة لما ورد هاهنا انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦١١ وما بعدها ، والمختصر فى أصول الدين له أيضا ص ٢٦ ضمن رسائل التوحيد والعدل.