وبتقدير التسليم : فيجب حملها على حالة التوبة والصغائر ؛ لما سبق فى النص الأول.
وأما ما ذكرتموه من إثبات الشفاعة ؛ فهو معارض بما يدل على عدمها ، ودليله قوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١) وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) (٢) وقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٣) والفاسق غير مرتضى ، وقوله تعالى : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (٤) وقوله تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٥) وقوله تعالى : (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) (٦) وقوله عليهالسلام : «لا ينال شفاعتى أهل الكبائر من أمتى» (٧).
سلمنا وجود الشفاعة ؛ غير أنه ليس فى ذلك ما يدل على إسقاط العقوبة ، فإن الشفيع قد يكون فى طلب الخيرات ، كما يقال شفع فلان إلى الملك فى إعطاء بلدة لفلان.
وقد تكون فى طلب دفع السوء ، وإزاحة الضرر : كما يقال : شفع فلان إلى الملك فى إطلاق فلان من الحبس ، والأصل فى الإطلاق الحقيقة. كيف وأن الشفيع مأخوذ من الشفع ، وهو الشبيه ، والشفيع فى الصورتين يصير شفيعا للمشفوع له ، فكان إطلاق اسم الشفيع فى الصورتين حقيقة ، وبتقدير كونه شفيعا فى طلب الخيرات ، وزيادة النعم لا يلزم منه إسقاط العقوبة.
__________________
(١) سورة غافر ٤٠ / ١٨.
(٢) سورة البقرة ٢ / ١٢٣.
(٣) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٨.
(٤) سورة الزمر ٣٩ / ١٩.
(٥) سورة البقرة ٢ / ٢٧٠.
(٦) سورة يونس ١٠ / ٢٧.
(٧) راجع سنن الترمذي ـ كتاب صفة القيامة ـ باب ما جاء فى الشفاعة ٤ / ٦٢٥ وقد رد الآمدي على هذه الشبه فيما يأتى ل ٢٣١ / أ.