قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (١) والمراد بالمغفرة هنا إنما : هو تأخير العقوبة لا إسقاطها ؛ لأن الآية وردت فى حق الكفار ، والعقوبة غير ساقطة عنهم إجماعا.
ويدل عليه أيضا : قوله تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) (٢) وهو صريح فى المغفرة بمعنى : تأخير العقوبة.
سلمنا أن المغفرة ظاهرة فى إسقاط العقوبة ، غير أنه قد اقترن بها ما يدل على إرادة الغفران بجهة تأخير العقوبة.
ودليله قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٣).
ووجه الاحتجاج به أنه خاطب الكفار ، وحذرهم من تعجيل العقوبة على ترك الإيمان بالشرك ثم قال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) أى لا يؤخر عقوبة الشرك ؛ بل يعجلها.
وقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) مقابل لقوله / تعالى : (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فإذا كان معنى سلب الغفران : تعجيل العقوبة ، فالغفران المقابل له ، يكون بتأخير العقوبة.
سملنا دلالة الآية على المغفرة بمعنى : إسقاط العقوبة. غير أنه أراد به / / إسقاط كل واحد واحد من أنواع العقوبة ، أو جملة العقوبات ، أو بعض أنواعها ،
لا سبيل إلى الأول ؛ لعدم دلالة اللفظ عليه ،
وإن كان الثانى : فلا يلزم من كونه لا يعاقب بكل أنواع العقوبة أن لا يعاقب ببعضها.
وإن كان الثالث : فلا يلزم من إسقاط بعض أنواع العقوبة إسقاط البعض الآخر.
وأما باقى النصوص ؛ فلا نسلم العموم فيها.
__________________
(١) سورة الرعد ١٣ / ٦.
(٢) سورة الكهف ١٨ / ٥٨.
(٣) سورة النساء ٤ / ٤٧ ، ٤٨.
/ / أول ل ١٢٩ / ب.