الرابع : أن / / أكثر آيات الوعد مؤكدة كما فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (١) بخلاف آيات الوعيد.
الخامس : هو أن الخلف فى الوعد قبيح ، والخلف فى الوعيد كرم ، وهو من مستحسنات العقول ولهذا قال الشاعر :
وإنى إذا أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادى ومنجز موعدى (٢) |
/ فتأويل آيات الوعيد يكون أولى ، من آيات الوعد.
السادس : أن آيات الوعد دالة على الرحمة ، وآيات الوعيد دالة على الغضب ، والرحمة أقوى وأسبق ، لقوله عليهالسلام حكاية عن ربه تعالى : «رحمتى سبقت غضبى» (٣).
السابع : أن المقصود الأصلي من خلق الخلق ، أن يكونوا رابحين لا خاسرين ودليله قوله : «خلقتكم لتربحوا عليّ لا لأربح عليكم» وفى ترجيح آيات الوعد تقرير هذا الأصل ، وفى ترجيح آيات الوعيد مخالفته ؛ فكانت آيات الوعد أولى.
الثامن : أن ما ذكروه من الظواهر ، منهم من قيدها بفعل الكبائر دون الصغائر ، ومنهم من زادها تقييدا ، حتى اشترط فى ذلك زيادة مقدار الكبيرة على ما له من الحسنات.
وبالجملة فلا ريب فى تخصيصها بما بعد التوبة ، ولم يوجد شيء من ذلك فيما ذكرناه من آيات الوعد ؛ فكان العمل بها أولى.
__________________
/ / أول ل ١٣١ / ب
(١) سورة النساء ٤ / ١٢٢.
(٢) قائله : عامر بن الطفيل. انظر ديوان عامر بن الطفيل ص ٥٨ ط : صادر بيروت ـ لبنان. وهو : عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر العامرى ، من بنى عامر بن صعصعة فارس قومه وأحد شعراء العرب وساداتهم فى الجاهلية. ولد بنجد سنة ٧٠ ق. الهجرة وتوفى سنة ١١ ه وهو ابن عم لبيد الشاعر. كان عامر يأمر مناديا فى «عكاظ» ينادى هل من راجل فنحمله؟ أو جائع فنطعمه؟ أو خائف فنؤمنه؟ [خزانة الأدب للبغدادى ١ / ٤٧١ ـ ٤٧٤ والأعلام للزركلى ٣ / ٢٥٢].
(٣) رواه مسلم : كتاب التوبة ـ باب فى سعة رحمة الله ـ تعالى ـ وأنها سبقت غضبه ٤ / ٢١٠٨.