وأما قوله ـ تعالى : ـ (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (١) لا نسلم العموم فى الألف واللام فيه.
وإن سلمنا العموم فيه ؛ ولكن لا نسلم أن قوله ـ تعالى : ـ (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) (٢) للتأبيد.
ولهذا يصح أن يقال : فلان لا يغيب عنى ، إذا كان غالب أحواله كذلك ، وإن غاب عنه فى بعض الأوقات ، ولو كان ذلك للتأبيد حقيقة ؛ لكان هذا الإطلاق تجوزا ، ولا يخفى أن الأصل فى الإطلاق الحقيقة ، ولا يلزم منه الاشتراك ؛ لإمكان أن يكون المدلول هو الملازمة فى الغالب ، والدائم مشتمل على الغالب وزيادة.
سلمنا دلالة ما ذكروه من الآيات على الخلود بمعنى التأبيد ، غير أنه يجب حملها على الكفار جمعا بينها ، وبين ما ذكرناه من الدليل العقلى ؛ ثم إنها معارضة بما سبق من آيات الوعد ؛ وبما القرآن مشتمل عليه من آيات الوعد بالثواب كما فى قوله ـ تعالى : ـ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٣) وقوله ـ تعالى : ـ (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٤) وقوله ـ تعالى : ـ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٥) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وقوع الثواب.
وعند ذلك : فإما أن يقال : بأنه لا منافاة بين استحقاق الثواب والعقاب ، أو يقال بالمنافاة.
فإن كان الأول : فهو خلاف مذهبم.
وإن كان الثانى : فليس إدراج ما نحن فيه تحت آيات الوعيد ، أولى من إدراجه تحت آيات الوعد ـ وعند تقابل السمعيات يسلم لنا ما ذكرناه من الدليل العقلى. كيف وأن الترجيح لآيات الوعد ؛ لما سبق فى الفصل الّذي قبله (٦).
__________________
(١) سورة الانفطار ٨٢ / ١٤.
(٢) سورة الانفطار ٨٢ / ١٦.
(٣) سورة الزلزلة ٩٩ / ٧.
(٤) سورة النجم ٥٣ / ٣١.
(٥) سورة الرحمن ٥٥ / ٦٠.
(٦) انظر ما سبق ل ٢٢٦ / أوما بعدها.