الثالث : أنه من الجائز أن يكون خلق الله ـ تعالى ـ له لغرض الإيهام بكونه صادقا ، كما خلق الشبهات الموهمة ، وأنزل المتشابهات لا لقصد التصديق.
[الشبهة] الثالثة والثلاثون : سلمنا انحصار الغرض والتصديق غير أن ذلك إنما يدل على صدقه فى نفس الأمر ، أن لو استحال الكذب فى تقدير تصديق الله له ؛ وذلك إما أن يدرك بالعقل ، أو بالسمع ، لا سبيل إلى الأول ؛ لأنكم أبطلتم أن يكون الحسن والقبح ذاتيا للحسن والقبيح.
واذا لم يكن القبح ذاتيا للكذب ؛ فلا يمتنع على الله ـ تعالى ـ (١) [ولا سبيل الى الثانى لما يلزمه من الدور كما تقدم.
[الشبهة] الرابعة والثلاثون : سلمنا استحالة الكذب على الله ـ تعالى] (١) ولكن متى يصبح الاستدلال به : إذا بلغ التحدى بالمعجزة جميع الناس ، أو إذا لم يبلغهم.
الأول : مسلم.
والثانى : ممنوع.
ولهذا فإنه لو تحدى الخارق بعض الصنائع البديعة / فى بعض القرى وعجز أهلها عن معارضته ؛ فإنه لا يكون بذلك نبيا.
وعلى هذا فيمتنع القول ببلوغ التحدى بذلك إلى جميع أقطار الأرض وقت التحدى وإظهار المعجزة بحيث لا يبقى أحد إلا ويعلم به ؛ إذ هو خلاف العادة.
[الشبهة] الخامسة والثلاثون : سلمنا بلوغ التحدى إلى الكل ؛ ولكن إنما يدل على صدقه أن لو توفرت دواعيهم على المعارضة ، ولم يقدروا عليها وليس كذلك.
وبيانه : أن من يقدر على المعارضة ليس من جملة الخلق الا الأقلون ، ولعل دعواه بموافقة منهم ، وتركهم للمعارضة مبالغة فى ترويج أمره ؛ ليتحصلوا معه على ما يرومونه من التقدم ؛ واعلاء الكلمة ، ونفوذ الأمر.
[الشبهة] السادسة والثلاثون : سلمنا أنهم لم يقصدوا ترويج أمره ؛ لكن من المحتمل أنهم لم يتعرضوا لمعارضته استهانة به ، واحتقارا له ؛ لظنهم أن دعوته مما لا تتم ، وأن أمره لا يتحقق.
__________________
(١) ساقط من أمن قوله (ولا سبيل ..... استحالة الكذب على الله تعالى)