فإنّها أيضا مع قلّة ألفاظها وجزالتها ؛ مشتملة على ذكر الدّنيا والعقبى ، والتّحذير بالموت ، والتّرغيب بالثّواب ، والتّحذير بالعقاب ووصف الدّنيا بالغرور إلى غير ذلك.
/ ومن نظر في مجمله ، ومفصّله ، ومتشابهه ؛ فإنّه يجد فى كلّ ذلك العجب العجاب ، ويتحقّق بما أمكنه من إدراكه ؛ إعجازه لذوى العقول والألباب ، وعلم أنّ أبلغ ، وأحسن ما نطقت به بلغاء العرب من ذوى الآداب ، والرّتب إذا نسبه إلى الكلام الرّبانى ، وجد النّسبة بينهما على نحو ما بين اللّسان العربى ، والأعجمى ؛ فإنك لا ترى إلى فصيح قول العرب فى انزجار القاتل : «القتل أنفى للقتل». وإلى قوله ـ تعالى ـ : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١) وما بينهما من الفرق فى الجزالة والبلاغة والتّفاوت فى الحروف الدّالة على المعنى ، ومن كان أشدّ تدربا ومعرفة بمذاهب العرب فى اللغات ، وأنواع البلاغات ؛ كان أشدّ معرفة ببلاغة القرآن وإعجازه ، كما أنّ من كانت معرفته بعلم الطبيعة فى زمن إبراهيم ، وعلم السحر فى زمن موسى ، والطّب فى زمن عيسى أشدّ ، كان أشدّ معرفة بإعجاز ما جاء به إبراهيم ، وموسى ، وعيسى / / ومنهم من قال : وجه الإعجاز فيه ؛ ما اشتمل عليه القرآن من الإخبار عمّا تحقّق بعد ما أخبر به من الأمور الغيبيّة :
كما فى قوله ـ تعالى ـ : ـ
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (٢) وكان كما أخبر.
وكقوله ـ تعالى ـ : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٣) وكان كما أخبر.
وكقوله ـ تعالى ـ : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) (٤) وكان كما أخبر.
وقوله ـ تعالى :
(الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) (٥).
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ١٧٩.
/ / أول ل ٨٠ / ب.
(٢) سورة الإسراء ١٧ / ٨٨.
(٣) سورة الفتح ٤٨ / ٢٧.
(٤) سورة الفتح ٤٨ / ٢٠.
(٥) سورة الروم ٣٠ / ١ ـ ٤.