إن شاء الله تعالى ، فإذا قد تقرر أنه لم يبق فرقة من فرق الكفر إلا وقد زادوا عليها فيما به كفرت ، ثم اختصّوا بكفر جديد كثير واسع فهم كما قدمنا أكفر الكفرة ، وأخبث الفجرة ، وإنكارهم لمذاهبهم تطهير للكفر بالكذب ، فهم بمنزلة من يغسل الغائط بالبول ؛ فإنه لا يطهر أبدا ؛ لأنه رام تطهير النجس بالنجس ، فكذبوا لأنهم راموا نفي الكفر عن أنفسهم فازدادوا رجسا إلى رجسهم ، فلو أنهم قالوا : هذا كان اعتقادنا وتبنا منه لكان بمنزلة من غسل النجس بالماء ؛ لأن التوبة ترحض الذنوب ، ونحن نعلم مذهبهم منهم ضرورة ، ويعلمه كافة من خالطهم من المسلمين ، وإذا قد تقررت هذه الجملة فلنرجع إلى ما كنا بصدده من ذكر الفرقة المرتدة وأحكام أهل الردة هذه (المصانع) هي قرارة كفرهم ، وعوشة ردتهم ، واستمرت بذلك الأعصار ، ومضت عليه الدهور ، وهرم فيه الأطفال ، وتقرمت (١) القرون من يوم نجوم كفرهم إلى الوقت الذي جرى فيه ظهور نفاقهم وبايعونا على التوبة والبراءة من الفرقة المرتدة ؛ إلا من نفر منهم ممن أصر ، وأقاموا على ذلك مدة تبدو منهم أمارات النفاق ، ودلائل الكفر ، ونحن نحملهم على ظاهر غير سليم إلى أن طال عليهم الأمد وقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ؛ فأظهروا الكفر ومنعوا الزكاة التي منعها بنص القرآن الكريم شرك قال تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت : ٦ ، ٧] ولا كفر أقبح من الشرك بالله ، وظاهروا الشقي المشرقي وأعوانه من الفرقة المرتدة الملعونة المسماة بالمطرفية ، وسلموا الأمر له في نفوسهم وبلادهم من طرق جمة ، ووجوه كثيرة ـ كما قدمنا ـ فحاكمناهم إلى الله تعالى فقضى لنا عليهم ، فقتلنا المقاتلة ، وسبينا الذرية امتثالا لحكم رب العالمين ، واقتداء بوصي النبي الأمين والصحابة الراشدين ، ولا بدّ أن نذكر من ذلك طرفا يدل على ما وراءه ليكون تذكرة للمستبصرين ، وبرهانا للمقصرين ، وعلى الله نتوكل وإياه أستعين.
__________________
(١) في (أ) : وتغربت ، وفي (ب) : وتغرمت ، ولعله وتقرمت. أو : وتصرمت.