حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)) [سبأ : ٢٣].
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨)) [النبأ : ٣٨].
فلا كلام إلا بإذن ، ولا كلام إلا بصواب ، ومردّ الأمر لله وحده.
فإذا كان من الناس من يقترف الموبقات المهلكة اعتمادا على شفاعة موهومة ، فليذكر قول الحق في أهل النار : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٤٨) [المدثر : ٤٢ ـ ٤٨].
إن أتباع الدين يجب أن يعرفوا أن الحساب الإلهي لا يغفل الذرة من الخير أو الشر. وأن هذه الدقة تنفي كل تصرف ينطوي على الفوضى ، وكيل الجزاء جزافا.
وقد ندد القرآن الكريم باليهود ، لما سرت بينهم هذه الآراء الغريبة ، حتى ظن عامتهم أن الجنة حكر لهم ولذرياتهم ـ لأمر ما ـ فأقبلوا على ملذات العيش الأدنى ينتهبونها ويقولون ـ في يقين ـ سيغفر لنا!!
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١٦٩) [الأعراف : ١٦٩].
والمؤسف أن هذا القطع بين العمل والجزاء رسب في أوهام العامة ، فأساءوا به إلى أنفسهم وإلى دينهم ، ثم إن عوج سلوك المنسوبين إلى الدين وقلة فقههم ، وسوء ذوقهم ، مكّن للإلحاد في الأرض ، ورفع الثقة من الأديان وممثليها جملة.
والعجب للمسلمين ، يصابون بهذه اللوثة وهم يقرءون قول الله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (١٢٣) [النساء : ١٢٣].